في الإشاعة ومتلازمة "ذهب هرقل"!!
د. زيد نوايسة
09-10-2014 03:59 AM
يميل الناس فطريا لتصديق ما يتمنوه، وتتعزز هذه القناعة أكثر في المجتمعات التي لا تكرس العمل والعلم قيمة عليا في الحياة ومعيارا للنجاح والانجاز!!، وتلك المجتمعات ذاتها تفرد مساحة واسعة من وقتها وتفكير أبناءها للإشاعات والميثولوجيا والأحلام الوردية التي لا تستند للواقع والمسكونة أيضا بالتاريخ والانتصارات والبطولات حتى الاستسلام للوهم، وصنع قطيعة معتقة مع المستقبل!!.
في تلك الأجواء تجد الإشاعة بيئتها الخصبة فتنمو وتزدهر وتتطور حتى تصبح "مسلمة"غير قابلة للنقاش،ويتعزز منطق "عنزة ولو طارت"،حتى لو جئت إليهم بالدليل القاطع الجامع المانع فلن تبدل تبديلا، وستظل تطارد خيط دخان وسراب لانهاية له!!.
في هذا السياق يمكن التوقف عند الإشاعة ومفهومها، إذ جاء في تعريف الإشاعة وفي معظم المصادر أنها" أخبار مشكوك في صحتها ، ويتعذر التحقق منها ، وتتعلق بموضوعات لها أهمية لدى الموجهة إليهم ، ويؤدي تصديقهم أو نشرهم لها إلى إضعاف روحهم المعنوية أو خلق حالة من الفوضى لديهم أو في المجتمع عموماً"، ولقد ظلت الإشاعة ومنذ بدء الخليقة من عوامل تفتيت المجتمعات وتدميرها وخلق الفتن فيها ولكنها بقيت محصورة ضمن نطاق جغرافي معين وإطار اجتماعي محدود، فغدت إمكانية تحجيمها والسيطرة عليها ممكنة وقابله للنجاح، ولكن مع تطور الحياة وسيادة الاتصالات والتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي أعيدت الروح للإشاعة وساهمت بانتشارها بسرعة خيالية وبامتدادات أكثر ودون أي قدرة دينية أو أمنية أو سياسية أو أخلاقية، فأصبح خلق وفبركة أي رواية من العدم ونشرها وتعميمها على اكبر شريجة من المجتمع لا يحتاج أكثر من دقيقه، فتسري كالهشيم في النار وتصبح السيطرة على مفاعيلها وتردداتها أصعب من أن يستوعبه أو يتخيله أي عاقل!!.
ما استوقفني للكتابة هنا قصة "ذهب هرقل المزعوم" بالرغم من عدم رغبتي الدخول في مهرجان الكلام والإشاعات والروايات "الأسطورية" فقد كتب سيلا من المقالات التي تؤكد "القصة" حتى أن بعضهم حدد الكنوز والقطع الذهبية وعددها وكأنه شاهد عيان أو مشارك اشرف على البحث والتنقيب في مشهد وضع كل الأساطير والملاحم التي قرأناها وسمعنا عنها على "الرف" أمام المليارات والأحلام والرفاه الاقتصادي القادم ومغادرة الفقر إلى غير رجعة، ولعلها مصادفة مضحكة أن أسعار الذهب العالمية بدأت بالانخفاض منذ ذلك اليوم وبشكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة، حتى أن احد الأصدقاء الظرفاء اعتبر هذا النزول في أسعار الذهب من قلة بخت وحظ الأردنيين!!، على أن المفارقة العجيبة والخطيرة بنفس الوقت والتي تدعو للتساؤل: أن أحدا من كل الذين تنادوا للمطالبة بإظهار حقيقة الكنز المزعوم لم يتحدث عن الأهمية التاريخية له كمكنون حضاري وإنساني يعزز من وجود الأردن كمركز للحضارات الإنسانية القديمة وينعش ما يعرف بسياحة الحضارات بل أن الجميع كان يبحث عن حصته شخصيا وكان البلد "ذبيحة في يوم ذي مسبغة"- لا قدر الله-.
على أن الأمانة تقتضي القول أنه وبمعزل عن التخبط الرسمي السلبي في الأيام الأولى للواقعة العتيدة في منطقة عجلون، جاء الرد الرسمي ومن خلال القوات المسلحة الأردنية وبمهنية عالية وتوثيق بالتسجيل التلفزيوني بالصوت والصورة ليقطع الشك باليقين وبصورة لا تحتمل أي تأويل ألا أذا كان هناك إصرار على معاندة الحقائق دون أدنى موضوعية وعقلانية أو الاستسلام والإصابة بمتلازمة "البحث عن الذهب" أو "متلازمة ذهب هرقل" والتي انتشرت وأصبحت تنافس متلازمة "داون سندروم" أو "متلازمة ستوكهولم"!! .