انتخابات الإخوان: توافق بعيدا عن منطق "المحاصصة"
ياسر ابوهلاله
26-03-2008 02:00 AM
جلب التحول الديمقراطي للإخوان المسلمين وجع رأس بقدر ما حقق لهم مكاسب. فمنذ عام 1989 ينتهك الإعلام خصوصيات الجماعة التي يتعامل أعضاؤها على قاعدة "علانية الدعوة سرية التنظيم". قبل ذلك لم يكن يعرف من الجماعة إلا مراقبها العام والمكتب التنفيذي على الأكثر. أما أعضاء مجلس الشورى فلم يكن مصرحا لهم الإعلان عن عضويتهم. كانت أول صدمة لدعاة السرية عندما نشرت صحيفة "المحرر" الباريسية عام 1990 أسماء مجلس الشورى. وبدأ الإعلام العربي والأردني يصنف الإخوان صقورا وحمائم، ومذاك لم يتوقف الإعلام عن انتهاك السرية ولا الإخوان عنها يتخلون.
وفي كل انتخابات داخلية تلوح لكارهي الجماعة بشائر الانقسام ونذره لمحبيهم، ويظل التنظيم يثبت أنه قادر بـ"المؤسسية والشورية" على البقاء موحدا. ومع أن الانتخابات الأخيرة التي تلت حل مجلس الشورى شهدت اهتماما إعلاميا وسياسيا غير مسبوق إلا أنها لا تقل "إثارة" عما سبقها. فعام 1990 شهدت الجماعة "انقلابا" على من عرفهم الإعلام بـ"الصقور": محمد أبو فارس وهمام سعيد وداود قوجق وإبراهيم خريسات. الذين كانوا يقودون المكتب التنفيذي في دورة 1986 إلى 1990.
وشهدت الجماعة سجالات فكرية وسياسية طفت على السطح. ومن طرائف ما يرويه السياسي المخضرم إبراهيم عزالدين الذي كان من عرابي مشاركة الإخوان في حكومة مضر بدران أنه سمع عبداللطيف عربيات يقول على شاشة التلفزيون الأردني (ياه! هل يسمح له بالظهور على التلفزيون الأردني اليوم!) إنه يقبل بالتعددية والديمقراطية وتداول السلطة.. فطلب من بترا أن تعيد نشر المقابلة وتوزعها على الصحف باعتبارها إعلان تحول فكري وسياسي. فنشرت عناوين في الصحافة. هذه البديهيات اليوم فتحت على عربيات معركة داخلية في حينه. ولم يتردد محمد أبو فارس في إصدار كتاب يحرم فيه المشاركة في الوزارة بعد أن قررت الجماعة المشاركة فيها.
وإلى اليوم لا يزال أبو فارس في الجماعة وهو يحمل نفس الفكر. في انتخابات عام 1994 كان الزلزال التنظيمي أعلى درجة. فالمراقب العام محمد عبد الرحمن خليفة المراقب العام التاريخي الذي أمضى في القيادة أكثر من أربعة عقود يتغير وينتخب بدلا منه عبدالمجيد ذنيبات. حتى الدولة الأردنية لم تستوعب الزلزال وحارت فيه. وبادر الأمير الحسن الذي كان وليا للعهد إلى اصطحاب الذنيبات بسيارته وزار خليفة للاطمئنان على مسار الجماعة.
بعدها جاء قرار المقاطعة لانتخابات عام 1997، وهو أجرأ وأخطر قرار اتخذه الإخوان في تاريخهم خصوصا أنه أرفق بمطالب "إصلاحات دستورية"!
وبعد انتخابات 1998 واجهت الجماعة واحدة من أعقد أزماتها مع الدولة؛ إبعاد قادة حماس. وأيا كان تقييم أداء قيادة الذنيبات في تلك الأزمة جدد له في انتخابات 2002. وجاءت انتخابات 2006 بسالم الفلاحات مراقبا عاما، وكما تقبل خليفة التغيير من قبل تقبله الذنيبات.
واجه الفلاحات منذ توليه سلسة أزمات لم تتوقف. وعاشت الجماعة أسوأ علاقة لها مع الدولة منذ تأسيس الجماعة. وللمرة الأولى غدت الجماعة "ملفا أمنيا" لا حركة سياسية. وقدمت بحقها لائحة اتهامات لم تقدم بحق الحزب الشيوعي أيام قانون "مكافحة الشيوعية". تحت القصف تمكن الفلاحات من قيادة التنظيم الجموح بأقل خسائر.
وعكست شخصيته حقيقة التنظيم توازنا واعتدالا. اشتدت الأزمة بعد الانتخابات النيابية. ومع ذلك قرر مجلس شورى الجماعة أن يحل نفسه.
يرى مؤيدو قرار حل المجلس بأنه "نفّس" الأزمة الداخلية والخارجية في الجماعة. في حين يرى معارضوه أنه كان عقوبة لقيادة الجماعة التي لم تتعافَ من قصف الانتخابات. وأظهر الجماعة منقسمة في وقت يتطلب أن تبدو موحدة. واستغل القرار باعتباره انتصارا لتيار "حماس" أو التيار الرابع كما يحب كثير من الإخوان تسميته. فهم ليسوا من "الصقور" أو "الحمائم" أو "الوسط".
فلا يختلف الإخوان جميعا على دعم حماس تنظيما وفكرة ومشروعا. حتى من يصنفون بأنهم خصوم تيار "حماس" لم يكونوا بعيدين يوما عن الحركة. فأكبر قضية تهريب سلاح مطلع التسعينات كان من أبرز المتهمين فيها نمر العساف وممدوح المحيسن. وهما ليسا من مخيم البقعة ولا غزة. واحد من شيوخ العدوان والآخر من جهاء الطفيلة.
يتفق رموز التيار الرابع وتيار الوسط على تشخيص واقع الجماعة حاليا. وأيا كانت النتائج النهائية للانتخابات يسعون إلى الوصول إلى "توافق" على البرنامج السياسي للجماعة ويرفضون منطق "المحاصصة". ومشكلة الانتخابات الأخيرة أنها شهدت عزوفا عن الترشيح من رموز التيارين (مثل سعود أبو محفوظ ورحيل الغرايبة)، وسيحتاج أعضاء مجلس الشورى إلى "جلسة تعارف" لأن الانتخابات دفعت بأعضاء عاديين في الجماعة إلى مواقع قيادية على غير رغبة منهم.
لا يستطيع التيار الرابع ولا الوسط "تفكيك ألغام العلاقة الأردنية الفلسطينية"، وهم ورثوا واقعا لم يختاروه. ولا توجد أوهام لديهم. لكنهم يتمسكون تماما بـ"الجسر الذي يربط بين الضفتين ممثلا بالجماعة الأم" ويدركون أن ثمة استهدافا للجماعة باعتبارها المكون الوحيد العابر للضفتين.
يوجد في الإخوان "عقول صغيرة" تسعى إلى الاستئثار، وهي لا تحظى بأكثرية داخل التنظيم. تتجه أكثرية الإخوان بعد الانتخابات إلى تحقيق توافق على برنامج سياسي. وعلى مستوى قيادة التنظيم يعامل سالم الفلاحات بوصفه رجل "إجماع" ولا يطرح بديل منه بشكل جدي. ويتيح النظام الداخلي للجماعة تشكل فريق قيادي يحقق "قيادة متجانسة منسجمة"، فالمراقب العام يشكل المكتب وله أن يعين عشرين في المائة من أعضاء المكتب من خارج مجلس الشورى. وفي النهاية لا بد أن يحصل المكتب على ثقة المجلس. كما أن مجلس الشورى يعين خمسة أعضاء من غير المنتخبين.
كسب سالم الفلاحات كثيرا من الخصوم داخل الجماعة وخارجها بسبب شخصيته الصارمة، لكنه في المقابل كسب احترام الجميع. فهو ليس من النوعية التي تناور وتهادن لتمرير موقف. وربما لا تكون شخصية كهذه تعبيرا عن "التوافق" الذي تسعى إليه الأكثرية. يرد على ذلك بأن مشكلة الجماعة مع المراقب العام السابق بأنه كان مرنا إلى درجة أضعف موقف التنظيم.
مهما كانت الرهانات، فإن مجلس شورى الإخوان، يؤكد أن الجماعة تشكل نموذجا نادرا في إدارة الخلافات مؤسسيا وديمقراطيا وتداول القيادة بحسب صندوق الاقتراع. وهو ما حافظ على وحدة الجماعة في وقت تشظت فيه أكثرية الحركات السياسية أو تحولت إلى "حاشية" في خدمة الزعيم الذي لا يتغير.
abuhilala@yahoo.com
عن الغد.