ما زال محمد حسنين هيكل أهم الاساتذة في الاعلام والسياسة والتاريخ والمنطق وفي حضور الذهن والعالمية التي يزينها حماس لا يخبو مهما طال الموضوع او الزمن اللازم لتناوله.

قبل ايام كان احتفال الاهرام بتكريم السياسي الذي لم يفقد حماسه لملاحقة المتاعب والى تحريض الناس على السؤال. بالرغم من ان الرجل تسعيني وتبدو علامات الكبر على اصابع يديه التي لا ترتبط بكم هو حاضر ومتابع ودقيق في كل ما يقول.

هيكل تحدث مع اسرة الاهرام واستقبل اسئلة الحضور الذين بدت اعمارهم بين الستينيات والثمانينيات.. سكب الاعلامي الاسطورة خلاصة خبرته في المؤسسة التي امضى فيها جزءاً كبيراً من عمره صحفيا وباحثا ورئيس تحرير ووزير اعلام بعد ان رفض الاستسلام لقواعد التقاعد فبقي يتابع ما يدور في الدنيا ويصل الحاضر بالماضي ويرصد التحولات بعقل وبصيرة العارف للاحداث وصناعها ودوافعها وغاياتها.

بالنسبة لهيكل ان ما تحتاج له مصر هذه الايام هو صياغة الرؤية التي توجهها نحو المستقبل... رؤية تستند الى بحث يتعرف على الشباب واتجاهاتهم وطرق تفكيرهم.. كما انها تحتاج الى ان تقف على واقع وجودها وامكاناتها وتطلعات اهلها...بنفس المستوى الذي تتعرف على قدراتها ومواردها وامكاناتها...

ويضيف شيخ الصحافة العربية ان على الصحافة التي طالما شكلت اتجاهات الجماهير حيال القضايا والاحداث ان تتعرف على كل ما يشغل الرأي العام من قضايا وتحديات وكيف يرى الناس هذه التحديات وتجاوزها.

في ضوء واقع الاقليم لا بد ان تعرف مصر وتعمل على تعريف علاقاتها بالمحيط والاقليم والقوى الفاعلة فيه.. وتضع تصورات لكيفية احياء العلاقات وادامتها واسنادها الى اسس تكتب لها النجاح... العلاقة مع ايران وتركيا والمشرق العربي واسرائيل والمغرب والقرن الافريقي ودول حوض النيل....

العلاقة مع دول العالم الكبرى واسس وشكل العلاقة لا بد ان يكون له تصور ضمن رؤية مصر الجديدة... وبالطيع ذكر هيكل زملاءه الصحفيين بما قامت به الولايات المتحدة الامريكية في عام 1958 عندما كلف معهد روكفلر وباحثيه الشبان باعداد دراسة وجهت رؤية وسياسات الولايات المتحدة حيال الشرق الاوسط ومصر. يومها كان احدث الباحثين واصغرهم هنري كيسنجر حيث تولى الرئيس ايزنهور تبني النتائج او التوصيات واصبحت سياسة توجه علاقات امريكيا بالمنطقة.

الدراسة التي يقترحها الصحفي الذي عايش مسيرة بلاده لما يزيد على ستة عقود دراسة عملياتية اي انها تعد لتجيب على اسئلة اجرائية وتكون نتائجها قابلة للتطبيق.المشكلة الاوضح في اللقاء استغراق الحضور في تمجيد الضيف الذي حاول ان يوضح غير ذي مرة الحاجة الى نظرة يقوم بها شباب يمكن لعيونهم ان ترى الواقع بغير عدسات الماضي ولا تتأثر بمخزون الخبرة والتعلق العاطفي الذي يمكن ان تلونه الايديولوجيا.

محمد حسنين هيكل رجل خبر الحياة وتعرف عليها بعقله وقلبه.. بقي على مدى الايام مخلصا للسؤال الذي لا يتوقف عن طرحه حتى يرتطم بانوار الحقيقة... تتدافع لديه الجمل والحوادث والصور وهو يحاول ان يقود متابعيه الى الصورة التي يراها جلية ويحاول ان يساعدك على ان تراها بدون لبس او ضبابية وتزييف.

اتهم هيكل من قبل بعض النقاد بانه يبالغ ويدعي ويملح رواياته التي غاب ابطالها... لكن الحقيقة ان غالبية اطروحاته فيها من المنطق والترابط والانسجام ما يقتل لديك الرغبة في محاولة تفكيكها او تحدي محتواها.

لقد استمتعت وانا اتابع مقترحات الرجل للزملاء في جريدة الاهرام وتمنيت لو ان في صحافتنا او حتى اعلامنا من لديه صفة او اثنتين مما يتمتع به هذا العملاق الذي لا تملك الا احترامه والتأسي على قطاعات لا تستطيع ان تلد من يقنعك ولو بكذبة متماسكة لا تتهاوى قبل اكتمال رواية صاحبها.