طالعتنا الأخبار مؤخراً بأن لجنة منبثقة عن اتحاد الصحافيين الدانماركيين رشحت المدعو "فلمينج روسه" مدير تحرير القسم الثقافي في صحيفة التجديف "يالاندس بوسطن" الدانماركية لأشهر وأعرق الجوائز الصحفية في الدانمارك. وينظر المراقبون المنصفون إلى هذه الجوائز على أنها هدية عنصرية تقدم لفلمينج مكافأة له على خدماته الخبيثة المتمثلة في نشر الرسومات المسيئة للمصطفى عليه الصلاة والسلام في سبتمبر/أيلول 2005. وقد بررت لجنة "كافلنج" هذا الترشيح بما وصفته "دور فلمينج الكبير في الدفاع عن حرية الرأي"، واستطردت: "بالرغم من الضغوط الكبيرة داخلياً وخارجياً، تمسك فلمينج روسه بدفاعه المتتالي عن حرية الرأي، القيمة التي تعتبر جوهر الصحافة".
إلا أن تقارير صحفية دانماركية كشفت في ذاك الحين أن صحيفة التجديف ذاتها كانت قد رفضت نشر رسوم كاريكاتيرية تسيء إلى عيسى عليه السلام في أبريل/نيسان 2003 خشية ردود الفعل الغاضبة من جانب القراء المسيحيين المؤمنين!!.
وكان نشر الرسوم المسيئة لنبي التوحيد في المرة الأولى قد أثار احتجاجات وتظاهرات وردود أفعال عنيفة وواسعة في مختلف أنحاء العالم، وأدى إلى مقاطعة معظم الدول الإسلامية لمنتجات الدانمارك مما كبد اقتصادها خسائر يومية قدرت بملايين الدولارات. غير أن الهجمة أعيد إحياؤها هذه السنة، وتحديداً في 13 فبراير المنصرم عندما نشرت 17 صحيفة دانماركية، باسم حرية التعبير، رسما كاريكاتيرياً مسيئا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ردّاً على اعتقال أجهزة الاستخبارات الدانماركية مهاجرَيْن تونسيين وآخر دانماركي من أصول مغربية في مدينة "آرهوس" للاشتباه في أنهم خططوا لقتل أحد الرسّامين المجرمين المدعو "فسترغورد"، 73 عاما، وهو رسام الكاريكاتير المجدّف في صحيفة يالاندس بوسطن التي كانت أول من نشر الرسوم المسيئة عام 2005، قبل انتقال العدوى العنصرية إلى نحو 60 مطبوعة أوروبية أرادت تشتيت الضغط العام الإسلامي الموجّه ضد الدانمارك. واليوم يعيش فسترغورد وزوجته في حماية الشرطة ويتم ترحيلهما باستمرار لأماكن سرية بعد أن تلقيا تهديدات بالقتل. فيما تتواصل عمليات الكر والفر بين مجموعات من الشباب المهاجرين ذوي الأصول الإسلامية وبين الشرطة في عدد من ضواحي المدن الدانماركية. وقد عبّر الشباب عن غضبهم للإساءة إلى رسولهم عبر حرق الإطارات والحاويات ورشق الحافلات ورجال الشرطة بالحجارة.
ذريعة حرية التعبير التي ارتكز إليها المجدّفون لا شرعيّة لها. فالشرعة الدولية تحمي حريّة الرأي والتعبير كما تحمي أيضاً حريّة الاعتقاد والتديّن. فالمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 تنصّ على حرية الأشخاص في اعتناق الرأي وحرية التعبير، لكن المادة 18 من ذات الشرعة نصّت على حماية حرية المعتقد والتديّن وإقامة الشعائر، وقُدّمت الثانية على الأولى. أما المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 فقد كانت أكثر وضوحاً في تقييد المطلق وتخصيص العام، حيث قيّدت حرية التعبير بعدم المساس بحقوق الآخرين وسُمعتهم، على النحو التالي:
"المادة 19
1- لكل إنسان حق في اعتناق أراء دون مضايقة.
2- لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
3- تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،
(ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة".
وأما المادة 20 من ذات العهد الدولي فتلزم الدول الموقّعة عليه، ومنها الدانمارك، بسنّ القوانين اللازمة لحظر الحضّ على الكراهية، وقد جاء فيها:
"المادة 20
1- تُحظر بالقانون أية دعاية للحرب.
2- تُحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف".
والغريب في الأمر أن المبدأ ذاته ممثّل بصورة واضحة في الشرعة الدانماركية؛ فالمادة 77 من الدستور الدانماركي لسنة 1849 وتعديلاته تحمي حرية التعبير، وتحظر أى نوع من الرقابة على ممارسة هذه الحرية، إلا فيما يتعارض منها مع القانون: "كل فرد يتمتّع بحرية نشر أفكاره في المطبوعات والكتابة والخطابة، ولكن في نطاق الخضوع لسلطة القانون. الرقابة، وغيرها من أشكال التقييد، لم تعد مطبّقة إطلاقاً". واستجابة للدستور، الذي يمثّل رأس الهرم التشريعي، نصّت المادتان 140 و1/266 من قانون العقوبات الدانماركي رقم 126 لسنة 1930 وتعديلاته على تجريم السخرية العلنية (القدح) أو تدنيس أو تهديد، أو إهانة (تحقير)، الدين أو المعتقد. فالمادة 140 من قانون العقوبات الدانماركي والتي أثارت الجدل والنقاش في البرلمان سنتي 1973 و 2005 على التوالي، نصّت على التالي: "كل من يقوم بالسخرية العلنية أو يدنس معتقدا دينياً أو عادات العبادة لجماعة دينية شرعية، في هذه البلاد (الدانمارك)، يعاقب بالحبس لمدة لا تتجاوز أربعة أشهر". وفي نفس التوجّه نصّ البند الأول من المادة 266 من ذات القانون على التالي: "كل من يقوم علناً أو عامداً بنشر تصريحات أو أخبارٍ تتضمن تهديداً، أو إهانة، بسبب الجنس أو لون البشرة أو الجنسية أو الأصل العرقي أو المعتقد أو الميل الجنسي، يعاقب بالغرامة أو بالسجن لمدة أقصاها سنتان". وبالتالي، ومن واقع الشرعتين الدولية والدانماركية، فتجديف صحيفة يالاندس بوسطن والمدعو فسترغورد ومن حذا حذوهما مجرّم بقوة القانون.
لكن اللافت للانتباه أن هذه الإساءات الدانماركية ليست بداية "مشاريع التجديف"، فالأخبار حافلة بقصص الرسوم والأفلام والكتب والمدوّنات والمواقع المسيئة، وتمزيق المصاحف وحظر ارتداء الحجاب واستمرار الحفريات تحت المسجد الأقصى والاستهزاء بتعاليم الإسلام، بل إن تجديفاً وقدحاً مشابهاً للإسلام ورموزه انتقل إلى دول ذات أغلبية مسلمة، أو مارسه مرتدون أو باحثون عن الشهرة ارتموا في أحضان الغرب، كسلمان رشدي وتسليمة نسرين، ووفاء سلطان التي روّجت لها قناة الجزيرة - كما جاء في موسوعة "ويكيبيديا"- فيما يبدو أنه خطأ غير مقصود.
هذه الهجمات ليست مجرد عهر وسفه، وإنما هي حملة منظّمة يديرها ويوجّه فعالياتها مثلث الشر الأكبر المتمثل في: الصهيونية العالمية والصليبيين الجدد ومجموعات الليبراليين الفاسقين. فالصهيونية العالمية اطمأنت إلى أنها أصبحت في مأمن من حملات النقد وكشف الأباطيل بعد سنّ قانون تعقب معاداة السامية Global Anti-Semitism Reviewوالذي أجازه الكونجرس الأمريكي في أكتوبر 2004 وطُبِّق عالمياً ليطلق يد الصهاينة لاقتراف المزيد من سفك الدماء في فلسطين ولبنان. و"الصليبيون الجدد" أو ما يعرف بأحزاب اليمين المسيحي المتطرف، هم الضلع الثاني، وقد استلهموا روح الحقد والاستعمار والظلم من الحملات الصليبية المقبورة، ويحاولون اليوم إعادة تنظيم صفوفهم والتحالف من جديد مع "يهوذا الاسخريوطي" لخيانة المسيح، رسول المحبّة والسلام، والتآمر على الأنبياء وقوى الخير أينما وجدت، وتزييف التاريخ تمهيداً لمعركة هرمجدون وعودة المسيح، كما يزعمون، ومثال جلي على تلك الفئة الضالة النائب الهولندي اليميني الفاشي فيلدرز الذي دعا لحظر القرآن وعرض فيلم مسيء للإسلام. وأخيراً وليس آخراً فسقة الغرب المتذرعين بالحرية، الذين يقدّسون الانحلال والفجور ويُنشئون الأندية والمواقع الإباحية الخاصة بالفتشيّات الحقيرة؛ كالجنس المِثلي Homosexuality وممارسة عجائزهم الجنس مع قاصراتهم Old and Young وسفاح محارمهمTaboo Sex (Incest) وحفلات الجنس الجماعي Group Sex وتبادل زوجاتهم Swab Sex والقذف الجماعي على منحرفة Bukkake واستعباد المنحرفات في المراحيض Toilet Sluts وغيرها من ألوان الانحراف والمجون التي تحميها تشريعاتهم.
وبالعودة إلى الرسومات الضالة المجافية لأي قيمة فنيّة أو أخلاقية، نجد أن موضوعها ارتكز إلى الإهانات الجنسية وشكل الخنزير (حيوانهم المحبّب والمحرّم على المسلمين) ورموز الإرهاب، واستهدفت الرسومات كلاً من رسولنا صلى الله عليه وسلّم وزوجاته -أمهات المؤمنين- والاستشهاديين. وبنظرة تحليلية لرسومات المجرمين، منتسبي مجموعات التحرر الزائف، نجد أنها تحمل إمارات الإصابة بمرض الإحباط الجنسي Sexual Frustration؛ فكثرة تعاطي المخدّرات والمُسكِرات والفوضى الجنسية واتباع نظم حياتية مناهضة لقوانين الطبيعة والصحّة، كل ذلك، أدخل الوهن على قدرتهم الجنسية، وكان من نتائجه أن تشوّه مركّب غريزتهم الجنسية نتيجة لتفتّت مجرى تطوّره الطبيعي مما أدى إلى انحرافهم. وما شذوذهم الجنسي إلا محاولة يائسة "لاستبدال" موضوع الجنس الطبيعي بموضوع غريب "كالنماذج المذكورة أعلاه" علّ ذلك يخلق لديهم الإثارة المطلوبة أو يروي ظمأ نفوسهم المأفونة، لكن جهودهم تذهب أدراج الرياح. وفي مقابل هذا الوهن فإن احتياج زوجاتهم لا يلقى الاهتمام، فتجنح الزوجات إلى الخيانة الزوجية مع من يرضي وجدانهن ويروي شبقهن. ويحاول أزواجهن غضّ الطرف عن ذلك خوفاً من الخسارة الاقتصادية والاجتماعية التي قد تلحق بهم إن اختاروا طريق الطلاق. لذلك يُسقط الديوثون فشلهم في أشكال ورسومات رمزيّة تعكس ذاتهم المشوّهة وتحمل إهانات جنسية "للقادرين" من المسلمين أقوياء البنية والغريزة، ونبيهم رمز الرجولة الحقة، وزوجات النبي العفيفات القانتات الطائعات. إن دراسة موضوعية في "علم نفس الشواذ" تؤكد أن هذه الرسومات، وصور فضائح أبو غريب، لا يمكن أن يقوم بها إلا منحرفون يائسون.
أما الاستعمار الصهيوإمبريالي فهو يخطط ويقود الحملة لخدمة أهدافه التوسّعية، والتي تتلخّص في احتلال الأرض واستغلال مقدّرات الشعوب الكادحة، وفي مقدمتها الشعوب المسلمة. وكخطوة استباقية للمعارك المصيرية، يسعى الاستعمار إلى النّيل من مقدّسات المسلمين للتأثير سلباً على معنوياتهم وإصابتهم بالقنوط واليأس، تمهيداً لإلحاق الهزيمة العسكرية بهم. وفي سبيل ذلك يحشد العدو أجهزته الإعلامية ومستشرقيه والمنحرفين وعملائه المرتدين عن الإسلام ليشكّل منهم معول التخريب العقائدي، ويشعل النار على أربع جبهات رئيسة هي؛ الجبهة الأولى: التشكيك بوجود الله سبحانه وتعالى وبقدسية الكتب السماوية، الجبهة الثانية: تشويه السيرة الذاتية لنبي التوحيد محمد صلى الله عليه وسلم والحضارة الإسلامية، الجبهة الثالثة: الدعوة إلى الاستسلام لمشاريع الاستعمار بحجة "العقلنة" و"سلام الأمر الواقع" واتهام المقاومين "بالإرهاب" تحت زعم استهدافهم المدنيين من أبناء جلدتهم وتقويض "السلم العالمي" وبالتالي التحريض على ملاحقتهم أمنياً وحظر دعمهم أو الاعتراف بكيانهم السياسي ونضالاتهم المشروعة. والجبهة الرابعة لها شقّان أولهما يتمثّل في دعم التبشير بأيديولوجيا العدو السياسية والتي يُطلِق عليها تسميات برّاقة تناقض واقع الحال مثل "الحرية" و"الديموقراطية"، وثانيها التبشير بدينه الذي يحاول تقديمه على أنه الشرعة الوحيدة المتسامحة والعالمية النزعة. وهذه المحاور تختلف في تركيبها البنيوي وتتفق في هدفها الساعي إلى تشويه وعي المسلمين والوعي العالمي والكذب على التاريخ.
الصهيونية واليمين الصليبي وبغاة العصر ... تمعّنوا في هذه التوليفة القذرة.. هؤلاء ببساطة هم من يتطاول على نبيّنا الكريم. لن يستغرقكم الكثير من الوقت لتعرفوا كم هم ملعونون ومنحطون ومارقون عن أبسط القيم البشرية، هؤلاء لا يجدي الحوار معهم، وهم يتّبعون مخططاً جهنمياً لا سبيل إلى ثنيهم عنه، فهو يحدّد وجودهم ومستقبلهم ويغريهم "بسيادة الكون" بعد "القضاء" على كل أعداء الظلم والفجور، وعلى ورثة المجد والحضارات والقيم، وأتباع النبي الأمين محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، ليسود فهمهم الهستيري للدين واستغلالهم الاقتصادي وشذوذهم الجنسي المطلق.
إن كان ما سبق هو صور بانورامية لجبهات من أرض المعركة، فكيف السبيل؟! إلى جانب كل أشكال النضال المشروع ضدّ الظلم، فإن التحليل الموضوعي يقودنا إلى طرح جملة من الحلول في طريق المواجهة نعرضها في السطور التالية..
بداية لا بد من توعية المسلمين بطبيعة الهجمة الشرّيرة على سيرة رسولهم الكريم، كما يجدر بنا أن نحلّل نقديّاً الثقافة الغربية ونميّز بين الثقافة الغربية النافعة التي تنتصر للعلم وحقوق الإنسان والتي قدّمها الغرب في آخر أربعمائة سنة كإسهام خيّر في صيرورة الحضارة والتاريخ، وبين الثقافة الغربية التحريضيّة الخبيثة التي تحرّض على إنكار حق الآخرين في الوجود وفي تقرير المصير، وتدّعي احتكار الفكر والفلسفة وتقدّم نفسها على أنها "طريق الخلاص" و "القيمة المقدّسة"، وهذه الثقافة معادية لأمتنا وللشعوب المستضعفة، وهي تخدم الهجمة الاستعمارية الصهيوإمبريالية التوسعية في معركتها الوجودية لإخضاع أحرار العالم.
كما يتعيّن على مؤسساتنا الوطنية والقومية القيام بترجمة المؤلفات الفكرية العربية والإسلامية من العربية إلى مختلف اللغات الحية لتكون جسر التواصل بين المسلمين المغتربين وأوطانهم، تأكيداً على وحدة القضية والمصير. كما يجب ترجمة كتب تعرّف عامة الناس من مختلف الشعوب بحقيقة الإسلام وحقيقة رائد الرسالات السماوية محمد رسول الحريّة. على الصعيد الاقتصادي لا بديل عن المقاطعة، ويجب أن تتّخذ مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الاقتصادية الوطنية هذا القرار الشجاع وتروّج له وتفضح كل من يخالفه. أما السودان فقد اتخذ القرار الشجاع حكومةً وشعباً في سابقة عربية جديرة بالتقدير. المقاطعة السياسية والقوائم السوداء هي التحدّي أمام أمتنا.
على صعيد التشريع، لا بدّ من سنّ شرعة دولية تتعقّب معاداة الإسلام والعروبة، أسوة بقانون تعقّب معاداة السامية. وكانت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد أصدرت، بتاريخ 12 أبريل 2005، قراراً ينصّ على مكافحة إهانة وازدراء الأديان، في اشارة واضحة لما يحدث من تجاوزات ضد الإسلام والمسلمين في العديد من الدول الغربية، كما أبدت اللجنة قلقها بشأن تزايد حملات التشهير بالأديان والتصنيف العنصري والديني للأقليات المسلمة بعد أحداث 11 سبتمير 2001. لكن هذا القرار لم يترجم بعد إلى شرعة دولية تحمل صفة الإلزام تجاه الدول الأعضاء. فبداية يمكن للمحامين العرب والمسلمين، في أي دولة، أن يعدّوا مسودّة المشروع، ثم يقدّموه إلى برلمانات دولهم لتدرسه وتقرّه، ثم تقدّمه حكوماتهم إلى جامعة الدول العربية أو منظّمة المؤتمر الإسلامي لتقدّمه بدورها إلى مجلس الأمن الدولي وتطلب التصويت عليه وإقراره. بل إن الجاليات العربية والإسلامية في الخارج قد تقدّم مشروعها الخاص مباشرة إلى برلماناتها الأجنبية وتستخدم نفوذها السياسي والمدني لإقراره محليّاً، أسوة بالقوانين الأوروبية التي تعاقب على إنكار الهولوكوست ومذابح الأرمن والإساءة إلى المسيح.
والشيء بالشيء يذكر، فقد تم إنشاء مشروع قانون "تعقّب معاداة السامية" وتدوين مسودّته القانونية في معهد "ديفيد س. ويمان" David S. Wyman Institute الذي يرأسه اليهوديان "بينيامين كورن" و"إلي ويسيل". وقد قدمه إلى الكونجريس الممثل الديمقراطي لكاليفورنيا "توم لانتوس" Tom Lantos، وهو أحد الناجيين من المحرقة، ووقّعه الرئيس الأمريكي بوش على متن طائرته العسكرية وهو في طريقه إلى ولاية فلوريدا، ساحة المعركة الانتخابية الرئيسة وثالث أكبر ولاية في العالم من حيث عدد السكان اليهود، وقد قال للحشود المجتمعة هناك أن القانون يُلزم وزارة الخارجية الأمريكية بمراقبة اللاسامية العالمية وإعداد تصنيف سنوي حول معاملة الدول لليهود، واستطرد: "هذه الأمة ستكون شاهدة، سنعمل بجد على حرمان الاندفاع القديم لمعاداة السامية من موطأ قدم في العالم الحديث". ومع أن العرب هم أيضا شعب سامي إلا أنهم لم يُشملوا بهذه الشرعة.
مسودة القانون المقترح يجب أن تمنح المسلمين والعرب حماية تشبه تلك التي يمنحها قانون تعقب معاداة السامية لليهود في العالم. علماً أن الأخير لا يفرق بين اليهودية كديانة والصهيونية كحركة سياسية استعمارية وعنصرية. وبعد ترجمة القانون ودراسة بنوده، يرى الكاتب إعداد مشروع قانون تتضمّن مسودّته المبادىء التالية:
أن تتبنى الدول العربية والإسلامية بحكوماتها ومؤسساتها المدنية مشروع القانون، وتتعهد أمام الله وأمام شعبها أن تبذل الجهود اللازمة لتقويض حركات العداء للإسلام والعروبة في كل أنحاء العالم.
يتعيّن أن يشمل هذا القانون العالم بأسره، وبداية الدول الموقّعة عليه في الحد الأدنى، والدول المرتبطة بمصالح حيوية مع العرب والمسلمين. هذا إن لم تتبنّاه مؤسسة أو شرعة دولية تُكسبه قوة الإلزام تجاه الدول الأعضاء فيها، كالأمم المتحدة.
أن يستهدف هذا القانون كل إسناد أو إخبار لواقعة تتضمن ذمّاً أو قدحاً أو تحقيراً للإسلام و/أو العروبة و/أو المنظّمات و/أو الأفراد المسلمين /العرب (بمسلميهم ومسيحيّيهم) أو أنبيائهم أو رموزهم الدينية، وذلك باتخاذ إحدى وسائل التعبير مثل؛ الأعمال العدوانية والحركات والمعاملة الغليظة والكلام والصراخ والكتابة والرسوم والرموز والصور اليدوية والشمسية والافلام والشارات والتصاوير على اختلافها، أو أي وسيلة أخرى من وسائل التعبير، وسواء تحققت العلانية أو لم تتحق، وسواء نشرت أو جهر بها أو نقلت بالوسائل الآلية أو الإلكترونية، وسواء كانت صريحة وظاهرة أو مستترة وراء ألفاظ فيها من وسائل الاستعارة أو الكتابة أو بشكل عبارات استفهام. وأن تُجرَّم هذه التصرفات باعتبارها تمييزاً عنصريّاً ضد دين و/أو عرق.
أن يتم بموجب هذا القانون إنشاء مكاتب شعبية في كل دولة إسلامية تشرف عليها نقابات المحامين وتناط بها مهمّة مراقبة ومتابعة وتوثيق ومكافحة القوانين والأفعال وكافة نشاطات التحريض المعادية للإسلام والعروبة والتي قد تظهر في دول العالم المختلفة. تقوم المكاتب الشعبية المسؤولة عن مراقبة معاداة الإسلام والعروبة بتقديم تقارير شهرية إلى لجان العلاقات الخارجية في البرلمانات العربية تتضمن الجرائم المسجّلة في مختلف أنحاء العالم، والتوصية باتخاذ مواقف تتبنّاها الدول الإسلامية و/أو مؤسسات المجتمع المدني المسلمة للتعامل مع هذه الجرائم.
6.إلى جانب دور المكاتب الشعبية ولجانها الإعلامية والصحفية في رصد الخروقات، تقوم وزارات الخارجية في الدول الإسلامية بموجب هذا القانون بتكليف بعثاتها الدبلوماسية العاملة في سفاراتها في مختلف الدول بالقيام بالمراقبة والمتابعة لكل ما تنشره أو تبثه وسائل الإعلام، لرصد أية أعمال أو كتابات تدخل ضمن مفهوم معاداة الإسلام والعروبة. إضافة إلى ضرورة قيام هذه البعثات بالتدخل قدر الإمكان لمنع كتابة أو نشر مثل هذه الأعمال من خلال الاتصال المباشر مع رؤساء التحرير والصحف والمؤسسات الإعلامية والصحافيين والإعلاميين الذين يمكنهم التأثير على السياسة التحريرية للصحف أو وسائل الإعلام لمنع صدور أي انتهاكات لنصوص القانون. وترفع البعثات الدبلوماسية تقارير شهرية/سنوية إلى وزارات خارجية دولها، ويُراعى أن يتضمن التقرير كل ما يمكن أن يندرج تحته أحد الإنتهاكات التالية:
أ. أعمال العنف البدني أو التحرش ضد المسلمين أو العرب، وأعمال العنف والتخريب لمؤسسات المجتمع الإسلامي أو العربي كالمدارس والمساجد، وحظر الحجاب، والتحريض على كراهية المسلمين والعرب في الصحافة أو السينما التي قد تنشر أو تبثّ في أي دولة.
ب. الإجراءات التي تتخذها حكومات مختلف دول العالم لإصدار ونفاذ القوانين المتعلقة بحماية الحق في ممارسة الحرية الدينية للمسلمين وللعرب المسيحيين.
ج. الجهود التي تبذلها تلك الحكومات لتشجيع تعليم عدم التعصّب الديني والعرقي، والتسامح مع المسلمين والعرب.
7. خلال زياراتهم لمختلف الدول، يقوم كبار المسؤولين المسلمين والعرب، بموجب هذا القانون، بتقديم ملفات وشكاوى حول الخروقات والمواد الصحفية والإعلامية التي قد تنشر أو تبث عبر وسائل الصحافة والتي تحمل أفكاراً معاديه للإسلام والعروبة إلى المسؤولين في البلد الذي يقومون بزيارته، مع تقديم احتجاج والتعبير عن غضب الحكومات والشعوب العربية والمسلمة من هذه الأنشطة ووصمها بالإرهاب الفكري.
8 . بموجب هذا القانون يحق للحكومات والمنظمات والبرلمانات والمكاتب الشعبية العربية والأفراد، التقدم، في أي بلد قد تقع فيه الجريمة، بشكاوى ضد أي حكومة أو مؤسسة أو شخص تقوم أو يقوم بأي نشاط يمكن أن يندرج ضمن مفهوم معاداة المسلمين أو العرب أو رموزهما، ومقاضاته، وصولاً إلى مجازاته بعقوبة السجن و/أو الغرامة المالية الباهظة. كما يجب تشكيل محكمة مركزية في إحدى الدول العربية أو الإسلامية تختصّ بالنظر في القضايا المماثلة المقدمة لها لتجاوزات وقعت في إحدى الدول العربية أو الإسلامية. ويكون لقراراتها وأحكامها القوة الملزمة، وتساعد الضابطة العدلية الوطنية في تنفيذ أحكامها داخل إقليم الوطن.
وفي ظلّ انكفاء الحكومات العربية والإسلامية، فإن نشاط الجاليات العربية والإسلامية في الخارج وعلاقاتها ببرلماناتها الأجنبية ومؤسسات المجتمع المدني قد يقود إلى سنّ نصوص أو قوانين دوليّة تجرّم معاداة المسلمين أو العرب، كما أسلفنا، أو محليّة، مثل القوانين الأجنبية التي تجرّم إنكار المحرقة اليهودية، وتمنع إجراء الأبحاث أو نشر الكتب التي تعارض هذا الحدث التاريخي وصولاً إلى حمل المؤرخين على التسليم به كعقيدة راسخة. ومنها القانون الفرنسي "فابيوس ـ جيسو" الذي أُقر عام 1990، والذي بموجبه حوكم الكاتب والفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي عام 1998 بسبب تناول كتابه "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية" لمناقشة حقيقة وقوع الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية. وقد غُرّم جارودي آنذاك مبلغ 20 ألف دولار. لكن الأمر لم يقتصر على الحكم، فقد تلقى جارودي عدة مكالمات هاتفية تهدّده بالقتل، وتم الاعتداء على المكتبات التي تبيع كتبه، حتى امتنعت عن ذلك، كما اعتُدي على ناشر الكتاب ونُهبت مكتبته، وألقيت قنابل مولوتوف على المكتبة التي يمتلكها في أثينا، وقام مجرمون متطرفون بالاعتداء على مجموعة من الصحافيين العرب والإيرانيين كانوا يقفون أمام المكتبة حيث أصيبوا آنذاك بجروح استلزمت نقلهم إلى المشفى. وبالطّبع لم تَنشُر أي صحيفة فرنسية أي مقال أو تحقيق أو كاريكاتير يؤيّد حرية جارودي في إبداء رأيه ويدين "الإرهاب الفكري"، بخلاف موقف الصحف الدانماركية في الدفاع عن المجرمين فلمينج وفسترغورد والتهجّم على كل من حاول وقفهما. فحرية الرأى والتعبير فى الغرب لا تحمي إلا الأقوياء والمتنفّذين.
وحتى تحقيق مطالبنا العادلة، سنواصل الدفاع عن قضايانا المصيرية بكل عزم وإيمان بالله وبحتميّة انتصار الحق.
sociolegaloffice@yahoo.com
ثبت المراجع:
The Constitution Act of Denmark of June 5, 1953.
The Director of Public Prosecutions Decision on Possible criminal proceedings in the case of Jyllands-Postens Article "The Face of Muhammad", File No. RA-2006-41-0151, 15 March 2006.
Global Anti-Semitism Review Act October 8, 2004, 108th Congress of the United States, 2d Session, S. 2292.
Prohibition of Incitement to Hatred Act 1989: A Review Submission by the National Consultative Committee on Racism and Interculturalism, August 2001.
Bush Signs Global Anti-Semitism Law, Rense.com,
http://www.rense.com/general58/sig.htm, visited in 5/3/2008.
Bush Signs Global Anti-Semitism Law, Jim Dean, 100777.com http://100777.com/node/1026, 23/10/2004, visited in 5/3/2008.
Bush Signs Bill to Create Jewish Spy Agency, John Goth, 100777.com http://100777.com/node/1026, 17/10/2004, visited in 5/3/2008.
Jewish Dominance of State Department Unmasked, John Goth, 100777.com, http://100777.com/node/1026, 12/10/2004, visited in 5/3/2008.
سمير شطارة وناصر السهلي- كوبنهاغن، صحف الدانمارك الكبرى تقرر عرض الرسوم المسيئة، الجزيرة نت، 13/2/2008، http://www.aljazeera.net/NR/exeres/0A7CFDAD-D48C-4939-BAEF-395C197A376F.htm، تاريخ التصفح 20/2/2008.
ناصر السهلي - كوبنهاغن، حرائق وصدامات بين الشرطة والمتظاهرين بالدانمارك، الجزيرة نت، 15/12/2008، http://www.aljazeera.net/NR/exeres/AA74C43B-AC05-4609-A4A9-2116DDA7D795.htm، تاريخ التصفح 20/2/2008.
منى بكر، ممنوع الإساءة لليهود والشواذ ومسموح بإهانة أى شىء آخر، شبكة الرصد الإخباري، http://www.coptreal.com/ShowSubject.aspx?SID=1452، تاريخ التصفح 1/3/2008