في كثير من جنبات شوارع عمان اتخمت الحاويات وفاضت محتوياتها.. توالد فيها الذباب والبعوض.. واجتاحتها جيوش النباشين الذين اصبحوا يحكمون فضاء المدينة العام فيتقاسمون الزوايا ويتوقفون عند كل التكايا في بيكباتهم او على ظهور الدواب... بعضهم يطبع لوائح ارشادية وملصقات على الحاويات كتب عليها: "الرجاء وضع الاكياس بجانب الحاوية" كل ذلك ليسهل عليهم النبش والتفتيش.
في الايام الاخيرة ومع برودة الليل قرر البعوض والهسهس وبعض انواع الحشرات الاخرى الدخول الى بيوتنا لتفحص حرارة اجسامنا ويقلق نوم من ظنوا ان رؤوسهم خلت من الهم.. حتى اصبحت ظاهرة مزعجة يعبر الناس عن انتشارها في كل الاحياء.. اليوم سمعت شكاوى الناس في اسكان الجامعة الاردنية وتلاع العلي وخلدا مثل الحوفة والتاج وغيرها من الاحياء.
العيد لا يعني باي حال من الاحوال التوقف عن رفع النفايات.. ولا يعني رخصة لان تجتاح الاغنام وحضائرها الساحات العامة وزوايا ونواصي الشوارع.. تراب عمان ومجاريها ترتوي بالدماء وتتناثر اطراف الخراف وقطع الاحشاء حول الحاويات في منظر دموي.
حاجة الناس الى اتمام شعائر الاضاحي وتوفيرها وتمكينهم من ذلك لا يعني ان نضحي بشروط ومستلزمات ومواصفات الصحة العامة.
رائحة الطرقات والاحياء والساحات وهواء المدينة مشبع بروائح حضائر الاغنام.. والاكياس السوداء التي نبشها باحثو الحاويات والقطط واجهضت محتواها من الجلد والرفث والشحوم والدماء المتجلطة التي اختلطت ببعضها وتراكم عليها الذباب بالوانه واحجامه المختلفة.
ادارة المدن ليست مشيخات وتصريحات ومقابلات وابتسامات وتسلم دروع واعلان خطط قد لا تتحقق.. الناس يتطلعون الى مستوى نظافة افضل يعيد لعمان الالق الذي عشناه قبل ان تتحول المدينة الى واجهات عشائرية وتهتم مجالسها بالجباية والتنظيم اكثر من اهتمامها في جعل حياة الساكنين مريحة وخالية من منغصات ليس اقلها اتساخ الشوارع وتراكم النفايات والازدحام المروري وتلاشي جماليات المدينة نتيجة لغياب الرؤية في التخطيط الشمولي.
المدينة التي يحتلها الباعة الذين استوطنوا في قلبها واطرافها..
في جولة صغيرة تلمح مئات البسطات في اماكن التسوق الرئيسة وعشرات البيكبات الواقفة امام المساجد لبيع الصبر والرمان والبطيخ وحتى البطاطا بعد احتلالهم المواقف وقطع الاراضي الخالية من الانشاءات كمحطات لبيع الخزف والادوات المنزلية والعاب الاطفال....
البيع في كل مكان بلا اذونات
وبشكل يوحي بغياب الرقابة او القانوت او ربما خصخصة البعض للدور الرقابي بكل ما تحمله الخصخصة من سمعة.
مع تقديرنا لجسامة المسؤوليات التي تنهض بها المدينة الجبلية وموروثها وديونها وتحدياتها الا ان المدينة تحتاج الى اسلوب ادارة غير الذي نراه فالقمامة في كل مكان والشوارع غير نظيفة والاشجار تكسرت مع اول عاصفة ثلجية من سوء التقليم والرعاية والجانب الجمالي اخذ يتآكل بالرغم من اعتقادنا بانه سيتحسن مع الامين الجديد.
مزعج جدا ان تعرف بان المدينة التي يقوم على خدمتها اكثر من 20000 مستخدم لا تستطيع ان ترفع قمامة ساكنيها في الوقت المناسب وغير قادرة على تحسين مستوى التنقل والجماليات ولا الثقافة للمدينة التي تشهد مدرجاتها على حيويتها قبل ان نحل ضيوفا عليها قبل قرن او اقل.
بعض الواردة اسماؤهم في سجلات العاملين بوظائف العمال لم يعملوا ابدا... فهم يذكروننا بفكرة العامل المستريح الذي كانت تتبعه انظمة التشغيل في انشاءات الطرق "النافعة" في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
نتمنى على المدينة ان تولي امورنا الاهمية التي تستحق... فجمال ونظافة المدينة يعززان معنويات ساكنيها.