ترتيب الدول على سلم السعادة
د.رحيل الغرايبة
02-10-2014 03:31 AM
يعمد معهد الأرض في جامعة كولومبيا إلى إصدار تقرير سنوي لتصنيف دول العالم الأكثر سعادة بحسب المسح لمؤشرات السعادة والرضا بين الشعوب، وفي أول مسح دولي شامل وفقاً لثمانية مجالات تقريباً تشمل التعليم والاقتصاد والإدارة العامة والصحة والأمن والعلاقات الاجتماعية الإيجابية والحرية، وريادة الأعمال وتوافر الفرص، فقد تصدرت الدنمارك القائمة واحتلت المرتبة الأولى لعام 2012 و2013، ثم تلتها النرويج وسويسرا وهولندا والسويد وكندا وفلندا والنمسا وايسلندا واستراليا.
وعند الاطلاع على التقارير المنشورة التي توضح الحياة في الدانمارك وتظهر مؤشرات السعادة، تجد أن معظم الموظفين ينطلقون في الصباح إلى أعمالهم على الدراجات الهوائية، التي تمنحهم ممارسة الرياضة البدنية المفيدة، دون أن يشكل ذلك عائقاً أمام وصولهم إلى دوائرهم وأماكن عملهم دون تأخير، اضافة إلى الحفاظ على البيئة من التلوث، فضلاً عن الوفر الاقتصادي من خلال الاقتصاد والترشيد في استهلاك الوقود، ويظهر التقرير أن الناس يضعون دراجاتهم دون وسائل الحفظ والأمان والسرقة، بل يتركونها هكذا دون ربطها بجنزير مخصص، كما يحدث في إيطاليا وفرنسا على سبيل المثال التي تخصص مواقف محددة للدراجات مع توفير جنزير وقفل ومفتاح.
كما أظهر التقرير أن المستشفيات تستقبل حالات الولادة بالمجان، بالإضافة إلى توفير التعليم المدرسي المتقدِّم وفقاً لأعلى معايير الجودة، وتحقيق مستوى مذهل في القدرة على توفير فرص العمل وتوفير أعمال الريادة، ما يجعل مستويات الرضا لدى عامة الناس تصل إلى 95%.
أما الأمر الأكثر دهشة أن الأمهات اللاتي يذهبن للتسوق من المحلات التجارية والأسواق الكبيرة، يتركن أطفالهن في عربات الدفع اليدوي في الساحات أمام الأسواق لوحدهم مع الألعاب ورضاعات الحليب، ريثما تكمل الأمهات التسوق، ما يدل على تحقيق أعلى معدلات الأمن، وعدم الشعور بالخوف، في منظر يدعو إلى الغبطة والتقدير والإعجاب.
إن تلك الدول التي استطاعت الوصول إلى هذه المرحلة العالية من الكمال البشري على جميع المستويات، بحيث استطاعت النرويج تحقيق أعلى مستوى للدخل في العالم حيث بلغ المعدل الإجمالي نحو (57) ألف دولار سنوياً، وتعبر الشعوب عن رضاها على مستوى الحرية التي تتمتع بها، ما يجعلها تشعر بالسعادة الغامرة، كما أظهرت التقارير أن هذه الشعوب تتمتع بالثقة المتبادلة بين الأفراد فيما بينهم، التي توصف بالإيجابية.
إن الاستثمار الأمثل لقدرات الإنسان من خلال العلم والبحث، والأساليب التربوية الفاعلة، ومن خلال الديمقراطية الحقيقية التي تجعل الشعب يملك حق تقرير مصيره، ويملك حق المشاركة في الحياة السياسية، ومن خلال القدرة على بسط العدالة بين المواطنين، وفرض المساواة أمام القانون، والاحتكام إلى المعايير الواضحة والشفافة في عمليات الفرز والاختيار للوظائف والمراكز القيادية، كل ذلك سيثمر حياة إنسانية متحضرة، تخلو من مشاعر القهر والتهميش، وتخلو من مشاعر الإقصاء والتمييز القائم على معايير عصبية وجاهلية، وستؤدي إلى حياة مليئة بمشاعر الرضا والفرح وتطفح بالبشر والسرور.
تقرير السعادة العالمية يوجه سؤالاً كبيراً إلينا نحن العرب والمسلمين: أين نحن من مؤشرات السعادة؟! وأين نحن من هذه المرتبة المتحققة في أقصى شمال الأرض؟! ولماذا نعجز عن بناء تلك المجتمعات و بناء ذلك المستوى المثالي الإنساني، مع أننا نملك أفضل منظومة قيم حضارية نبيلة وسامية؟!
تكمن المشكلة في ذلك الفهم المتخلف لقيم الإسلام ومبادئه، وتكمن في العجز عن تمثل هذه القيم وهذه المبادئ، ذلك العجز والتخلف المزري الذي أنتج حياة البؤس والشقاء، وأنتج ثقافة الاقتتال والتنازع والقهر والتسلط المناقض لمجمل مقاصد الشريعة ومبادئ الدِّين العظيم.
(الدستور)