لم تعد قصة الذهب هي الأهم في الشارع الأردني: لأن ما تبعها لا يقل خطورة عن نهب مقدرات الوطن من فوق الأرض ومن باطنها!
فاهتزاز ثقة المواطن بحكومة لا تعرف شيئا، ولا تستشار في شيء، وتخرج عليه كل يوم برواية مناقضة لسابقتها، وتتركه نهبا للشائعات - أخطر بكثير من سرقة ذهبه!
فالحالة التي يشهدها الأردن منذ أيام أقضت مضاجع الناس، وأدخلتهم في نفق مظلم من القلق والإحباط، ولعل الأفضل للحكومة إن لم تكن قادرة على إقناع الناس أن تصمت، فحقا إن السكوت بات اليوم من ذهب.
وأما اغتيال تاريخ الجيش الأردني وتشكيك الناس بقدراته، فقد شكّل هو الآخر صدمة جديدة، فالجيش آخر ما تبقى للأردنيين الذين آمنوا به، وتعلقوا به لسنين طويلة!
من حق المواطن أن يسأل اليوم كيف استبيح الوطن واتصالات الجيش لعقود خلت؟! وأين معاهدة السلام من هذا؟! وهل كل ما يملك الجيش من خبرات وتدريب، وتعاون مع الجيوش المتقدمة، وكل هذا الإنفاق على الجيش(الاردن من أكثر الدول إنفاقا من حيث ناتجه المحلي الإجمالي وفق تقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية لعام 2014) - لم يجعلنا قادرين على كشف أجهزة تنصت يفترض أنها تآكلت بحكم الزمن وعوامل الطبيعة! ومن ثَم القيام باستخراجها! وأيهما أولى إذن الاشتراك بحرب داعش أم حماية الداخل وتحصينه؟!
ولمصلحة مَن اغتيال تاريخ الجيش الأردني وحاضره في آن واحد، في الوقت الذي يعلن فيه رئيس الحكومة أننا في حالة حرب، ونسمع كل يوم تصريحات عن قدرة الجيش على حماية الحدود في ظل اللهيب المحيط بنا؟!
لا أعتقد أن إقحام الجيش في مؤتمرات صحفية، ومهاترات الذهب، والحكومة المغيّبة ذات الروايات المتناقضة خطوة موفقة، فالحفاظ على هيبة الجيش آخر ما تبقى لنا، وهو أغلى من الذهب.