الأردراليون والإستعمار الإستثماري
فايز الفايز
26-03-2008 02:00 AM
يضع أبطال الأردن الجدد ، القدم الأردنية على بعد عشرات الأمتار من القدم الأردنية الأخرى ، وهي الثابتة في مكانها .وبين القدم والقدم لك ان تتخيل مدى ( الإنفحاج ) الذي سيمزق أوصال الجسد الأردني ، فقدم مشلولة نخرها الفقر والبطالة والصمت المريض ، وقدم حيوية ولكنها زُرعت وسط أهرامات من الأسمنت والحديد والقيود القانونية .
سياسة السوق الحرّ هي سياسة فاشلة في ظل جهل تام بالقوانين الأخلاقية واندحار إرادي في ميدان الانتماء والنزاهة ، فضلا عن شراهة مفرطة في أكل السحت وجمع الأموال بما حلل الله وحرم من بين أيدي الناس وشرب دماءهم التي تحولت الى عصارة بيضاء لذة للمتاجرين .
الحكومة تركت الحبل على الغارب لكل مجتهد في الإثراء وجمع ما يمكنه جمعه ، شريطة دفع الضريبة لها وهي حصتها من هذا الإثراء غير المبرر ، مع ملاحظة ان الضريبة قد تغولت ، حتى اصبح المواطن يدفع ضرائب على الضرائب ، ليضرب بالضرائب شرّ ضربة .
فشرذمة من المتحكمين بالإقتصاد الوطني أصبحوا هم من يملك أمرّ هذا البلد .. وهم أصبحوا كأغنياء الحرب أصحاب الفجأة ، والسطوة ، ويستطيعون أن يقطعوا أرزاق الناس ، ويوصلوها حسب رغبات طاولاتهم ، ومنهم من يمتلك أن يحجب شمس الحقيقة ، ومصدر المعلومة الصحفية أيضا لأنه يمتلك مفاتح علم الماكنة ومفاتح قوارير الشمبانيا ، التي تسيل بين شفاه الغواني .
هؤلاء الذين جاءوا من مدن النكرة واللا شيء واللا ممنوع ، ولم يطوفوا بسهل حوران ، ولم يقفوا يوما بوادي السير ، ولم يشربوا من بركة زيزيا ، ولم يصدوا الحملتين الوهابيتين ضد شرق الاردن ولم تقطر دماءهم على أسوار القدس ولم يشهد لهم اللطرون ولا حمرا حمد ، ولم تشب رؤوس آباءهم تدريسا في مدارس الحكومة .
هؤلاء جاءتهم الجائزة الكبرى على شكل استثمارات أهدتهم إياها الحكومات الشريفة ، وللأمانة فهم لم يحملوا سيفا ليقطعوا به رؤوس الأردنيين ، بل حملوا أفكارا مستوردة قدموها للمسؤولين الأبرياء الذين لا يفكرون مطلقا ، بل يحافظون على رشاقتهم الفكرية ، وخفة رؤوسهم .
والمسؤول الأفخم دعم فكرتهم ، فمنحهم أراض ليقيموا عليها مشاريعهم والبنوك الأردنية قدمت لهم التسهيلات المالية الضخمة ، وشبكة علاقاتهم البراغماتية خدمة بحثهم عن زبائن الرفاهية ، وطرحت أسهم شركاتهم في السوق المالي الاردني اكتتابا ليتداولها شراء الكثير من المساكين اللاهثين وراء ربح مضمون بعدما خسروا العمر وما جرى فيه ، فدفعوا ملايين الدنانير مقابل أسهم اسمية في السوق قبل ان يتحرك سعر السهم ، وتلك الشركات لا تستخرج النفط ولا تنقب عن الذهب ، بل هي مشاريع رفاهية تستهدف أصحاب الملايين ، وهي كانت سببا في ركوب أسعار مواد البناء وما يتعلق بها من أسعار أخرى لمكوك الفضاء صاعدا الى أحدى غرف جهنم .
كذبوا علينا وقالوا ان تلك المشاريع هي استثمارية سوف تعود على الوطن وابناءه بالخير الوفير وتشغل الأيدي العاملة الاردنية وتحرك السوق ، فوجدنا ان تلك المشاريع ما هي إلا حصالات أموال تتحول الى جيوب عدد من أصحاب الشركات والغرباء ، وأزعم انني استطيع ان أحصيهم في هذه المقالة ، وفي المقابل فإن أصحاب مصانع الحديد مثلا يشتركون في المجزرة ليدفعوا بأسعار الحديد كيفما يشاءون وكذلك الأسمنت الى حد المستحيل ، رغم هبوط أسعارها العالمية ، لتموت أحلام البسطاء في وطني ممن كانت أعظم أمانيهم بناء غرفة نوم وحمام لممارسة تفريخ الأولاد ليواجهوا مصيرهم الاردني الذي يرسمه بضعة نفر حالمين ، جاءوا بالتعاليم الليبرالية الجديدة والمواد الفكرية الخام ، والقوانين العارية ، ليبنوا مصانع أفكار وقوانين وتوصيات يؤمن بها خمسة ، ويجبر على تنفيذها واعتناقها خمسة ملايين جائع .
ولعل أجمل فكرة قديمة جديدة ليس لهؤلاء الرهط دخل فيها ، هي امتلاك الأردن لمصانع سيارات وآلات ، ومواد غذائية دون بناءها داخل البلد ، فجمارك السيارات مثلا تجزئ عن بناء مصنع للسيارات فثمنها مقبوض دون تكلفة وأكثر سعرا من مصنعها الأم ، وكذلك باقي المواد ، فلماذا لا تعود الحكومة الى وضع يدها على كل ما هو سيادي ، فالأمن الغذائي أساس لكل الأمنيّات المتتالية ، وتحكم الغرباء بمصير الأبرياء هو عودة الى عصر الإقطاع والعبيد وتجار البندقية .. فهل خرج الإستعمار من الباب ليعود من الشباك ؟
المهم بقي ان نقول : عاش الأردن ، عاش الجياع .
Royal430@hotmail.com