الشائعة وأخطارها وكيف نواجهها
أ.د. عصام سليمان الموسى
01-10-2014 12:48 PM
تنتشر الشائعات في الأردن هذه الأيام بكثرة، وآخرها ما يتعلق بالذهب المستخرج من عجلون أو اغلاق بعض المولات. والواقع ان الاشاعات تكثر في زمن الشدائد، ونحن نعيش شدائد الحرائق المحيطة بوطننا الذي يجب ان نحافظ عليه قويا شامخا بتماسكنا.
والشائعات تنشط بكثرة في كل بلد يتعرض للأخطار. مثلا، في أوكرانيا التي شهدت ساحاتها مؤخرا احتجاجات دموية ضد السلطة، عمد المتظاهرون إلى تصوير وقائع الحراك الاحتجاجي على الهواتف الذكية وبثها مباشرة على الانترنت. لقد ازدهرت شبكات التلفزة على الانترنت منذ بداية الاحتجاجات، وعرضت ساعات من البرامج المباشرة، كما واستخدمت شبكات التواصل الاجتماعي أيضا وسيلة لبث الشائعات، وتحديدا عن رجل قيل انه قنّاص روسي أطلق النار على المتظاهرين خلال صدامات دامية وقعت في كييف.
انفلات اعلامي؟
لا ينكر أحد انه مع قدوم الرقمنة وظهور المواقع الالكترونية، بدا وكأن المناخ الإعلامي أصابه انفلات، فكثرت الشائعات القائمة على أخبار لا تخضع لقوانين المصداقية الصارمة في العمل الإعلامي وأخلاقياته. ان قوة الصحفي تتمثل بقدرته على التمسك بأخلاقيات العمل الإعلامي، وقدرته على مواجهة الشائعة، ودحضها، وكل ذلك في سبيل إيجاد مناخ اجتماعي قائم على الثقة مؤات للإنتاج والإبداع.
والشائعة، أو الإشاعة، مفهومان يحملان معنى واحدا. جاء في المعجم الوسيط ان الإشاعة هي «الخبر ينتشر غير متثبت منه»؛ أما الشائعة فهي «الخبر ينتشر ولا تثبت فيه». وجمع الشائعة هو الشوائع
لمحة تاريخية
من أبجديات الإعلام والاتصال أن المعلومة، إذا همس أحد بها في أذن تلميذ وطلب منه ان يهمس بها في أذن زميل له آخر، فإنها حين تصل التلميذ السادس أو السابع تكون تغيرت تماما. هذا التمرين المدرسي يبين كيف تنمو الشائعة وتتغير وتأخذ أشكالا في طريق سيرها وانتقالها من شخص إلى آخر. كما تبين ضعف الروايات المتوارثة التي تبدأ عادة بجملة: «روى فلان عن فلان...»، الأمر الذي يدعو لإخضاعها للعقل والمناقشة العلمية.
الشائعة أخبار ملفقة
لقد بدأ الاهتمام بدراسة الشائعة في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية. وقد عرّف البورت وبوستمان Allport and Postman الشائعة بأنها «افتراض يرتبط بالأحداث القائمة يراد ان يصبح موضع تصديق الناس بحيث يتم ترويجه من شخص إلى آخر مشافهة في العادة ومن دون ان تتوافر أي أدلة ملموسة تسمح بإثبات صحته». أما شيبوتاني Shibutani فقد اعتبر الشائعات أخبارا ملفقة تتولد من نقاش جماعي: أي أنها فعل جماعي يهدف إلى إضفاء معنى على الحقائق التي تفتقر إلى شروح.
كيف تولد الشائعة
تولد الشائعة كلما أراد الناس ان يفهموا مسألة ما ولا يتلقون إجابات رسمية حولها ترضي فضولهم. لذا، تستحوذ المسألة على انتباه الجماعة، فيولد من ثنايا ذلك الغموض شائعة، وتنتشر على نطاق واسع إذا ما ارتكزت على أكثر التأويلات إرضاء، فهي مسلية ومثيرة للفضول والاستغراب. لكن من المهم ان تبدو الشائعة معقولة في نظر أولئك الذين تبلغ مسامعهم كي يصدقوها. ويقتنع المتلقي أكثر حين تصله المعلومة نفسها من أشخاص عدة. وتبين ان النساء يسرّعن في نشر الشائعة لأنهن يصبن بالذعر أكثر من الرجال. لذا فان الشائعة تزدهر في البلاد التي تفرض رقابة مشددة على وسائل الإعلام. وعموما، فان العامة لا تستطيع أن تميز بين الخبر التافه والخبر الصادق.
الإطار المرجعي.. والإقناع
يعيش الإنسان مسلحا بمجموعة من الأفكار والآراء والصور النمطية والمعتقدات عن العالم الذي يعيش فيه. وتشكل هذه ما يمكن أن يطلق عليه المخزون المعرفي، الذي تكون نتيجة ورود المعلومات اليه عبر قنوات الاتصال الذاتي (الحواس الخمس) من المحيط الاجتماعي. ان معارفنا حقيقية لأننا نصدقها، والصحيح هو ما تعارفت المجموعة التي ننتمي اليها على قبوله وتصديقه، ولذا فان المعرفة والمعتقدات الاجتماعية ترتكز على الإيمان بها، وليس على الإثبات.
وعادة ما تختزن الذاكرة المفاهيم المادية الملموسة بصورة أفضل من اختزان المفاهيم المجردة، فلدى سماع تكذيب عن نوع منتج (كذا) انه لا يسبب السرطان مثلا، فقد ينسى المتلقي كلمة لا، لأنه من السهل نسيان النفي، ذلك انه لدى الاستماع للمفهومين معا -(المنتج كذا) و(لا يسبب السرطان)- فان الإطار المرجعي يربطهما معا في الذاكرة وتزول كلمة (لا) في الأغلب.
في نشأتنا لا نعي مسار بناء المخزون المعرفي في الإطار المرجعي (الموسى، 2014: 81)، لأنه يحدث ببطء؛ بالمقابل، فان الشائعة تعيد استحداث هذا المسار بطريقة متسارعة. ومن المتعارف عليه ان المعلومات الخاطئة قادرة على التغلغل في المجتمع بالسهولة التي تنتشر بها المعلومة الصحيحة، وقادرة أيضا على إحداث التأثيرات التحريضية نفسها.
ميزة الصحافة، على بقية وسائل الإعلام، أنها تحد من مشكلة التفسيرات الناقصة لأن القارئ يتمعن في الخبر ويقرأه أكثر من مرة، دون ان يربكه دفق المعلومات والصور كما في التلفاز او مواقع التواصل الاجتماعي مثلا.
خبر غير دقيق
الشائعة معلومة غير مثبتة مرتبطة بأحداث ذات صلة بواقع الحال، يرسلها شخص أو جهة غير معروفة، الغرض منها هو ان يصدقها الناس- وقد تحدث بلبلة. والباحثون لا يعتبرون الشائعة معلومة خاطئة بل معلومة غير مثبتة. ويتفقون أنها قد تسبق أي سقوط أو انهيار. لذا يمكن القول ان الشائعة خبر غير دقيق. والعامة قد تبدي ارتيابا بالشائعة، لكن الخطورة ان العدو قد يستغلها أيام الحروب، وينشرها من خلال الطابور الخامس (أي ضعيفي الانتماء للوطن، والجواسيس). ويعتبر الطابور الخامس آذان العدو الوهمية. والشائعة تصل الإنسان في الأغلب من صديق أو قريب ليس هو نفسه الشاهد المباشر على الحدث المنقول.
لكن المشكلة تظل قائمة: كيف يميز الإنسان العادي الشائعة من الخبر؟ الواقع انه لا يستطيع ذلك.
الشائعة والرأي العام
بعض الدارسين يرون ان الشائعة ترصد الرأي العام وتوجهاته، وهنا لا يمكن استثناء المصدر السياسي الذي يطلق الشائعة بشكل متعمد للإبقاء على حالة من انعدام الأمن لأن ذلك يخدم مصالح جهة ثانية، أو مصالح انتخابية وسياسية. وقد تستغل في ذلك الصحافة، الورقية والالكترونية والمواقع، الموالية للسلطة او الجهة التي تطلقها. وقد وصفت الشائعة بأنها «آفة» تستغل التقدم الذي تحقق في وسائل الاتصال الالكترونية، وذلك من خلال «فبركة» أخبار غير متثبت من صحتها تقدم على انها «حقائق واقعة»، مما يشكل تهديدا لبنية المجتمع وتماسكه الأمر الذي يدعو لمواجهتها بهدف تحقيق مناعة وطنية لتفويت الفرصة على المغرضين في ايجاد ثغرة في جدار المجتمع يمكن ان ينفذوا منها.
أمثلة على الشائعة
نقول في العربية «للحيطان آذان تسمع»، تحذيرا وخشية من التمادي في القول. فهي تحذير مما يقال، حين يخرج عن حده، قابل للانتشار والنقل والقيل والقال، ومن ثم التغيير. روي ان أحدهم كان مغرما بإطلاق الشائعات، وكانت حين ترتد إليه بعد فترة وجيزة، تجيء بثوب جديد، وطلاء ومساحيق من أنواع مختلفة، فيعاود إطلاقها ثانية كإشاعة جديدة. وتأتي الخشية من أن أي كلام غير متثبت منه قد تكون له عواقب وخيمة، لا تثير القلق فقط، بل وتودي بمروجها. ومن الأمثلة عليها:
- في عام 1984 ظهرت إشاعة في نيودلهي مفادها ان الرئيس سينغ قد قُتل. ومع حلول المساء كان الخبر المزعوم هو حديث الساعة في نيودلهي التي بلغ التوتر فيها حده الأقصى درجة ان المدارس والأعمال تعطلت. وأخمدت الشائعة حين أطل مذيع التلفاز في النشرة وأعلن ان الرئيس سنغ على خير ما يرام واستقبل العديد من الزوار. وصاحب الخبر عرض صور له تبين نشاطاته ذلك النهار. وتبين في النهاية ان مصدر الشائعة في بلد هزه اغتيال (انديرا غاندي) قبل كان بستاني القصر الذي وجد مقتولا
- حين اغتيل الرئيس كنيدي عام 1963 في دالاس، أسلم الروح الساعة الواحدة: عندئذ كان الخبر قد بلغ مسامع 68% من الأميركيين؛ وفي الساعة الثانية ارتفعت النسبة إلى 92%. انتشر الخبر في أقل من ساعتين، نصفهم تلقوا الخبر من وسائل الإعلام ونصفهم وصلهم مشافهة عبر قنوات الاتصال الوجاهي. وهذا يدلل على سعة انتشار الخبر او الشائعة مثلا.
-أشاعت الصحافة الغربية ان جنرالا في بولندا كان يعارض الشيوعية قد توفي في السجن، فانتظرت السلطات البولندية حتى الوقت المناسب لتعلن ان الجنرال لا يزال حيا، معززة بذلك من مصداقيتها ومقوضة الثقة في الصحافة الغربية. هذا المثال يبين ان الشائعة قد تستفيد منها جهة ما.
الشائعة فعل خيانة
أثناء الحرب العالمية الثانية، لجأت بعض الدول لوضع ملصقات مضادة للشائعات:
- في بريطانيا مثلا، صور أحد الملصقات امرأتين تثرثران تجلسان على مقعد مشترك في القطار، في حين جلس خلفهما هتلر ووزير طيرانه بوضع كاريكاتوري، وكتب على الملصق: الإسراف في الحديث قد يودي بحياة الآخرين.
- في الولايات المتحدة، ظهر ملصق يصور بحارا شابا يرحل مبتسما وقد حمل أمتعته وإلى جانبه العبارة التالية: إذا قلتم إلى أين يذهب، فقد لا يعود أبدا.
-وفي فرنسا وضع ملصق يحمل صورة جندي ومواطن مدني يتبادلان الحديث في أحد المقاهي وإلى جانبهما جرة ماء تتنصت، وحملت الجرة وجه هتلر.
لا عجب بعد هذا أن نجد دولا، مثل الولايات المتحدة، تعتبر الترويج للشائعة فعل خيانة وتواطؤ مع العدو، لأنها تسيء لمعنويات الشعب والتماسك الوطني، ولأنها تخّلف نتائج كارثية.
أنواع الشائعات
يمكن رصد 9 أنواع من الشائعات عبر العصور. وهذه هي: عودة الشيطان، السم الخفي، المؤامرة السرية الهادفة إلى انتزاع السلطة واستردادها، مواسم القحط المفتعلة، الخوف من الغرباء، اختطاف الأطفال، الأمراض التي تصيب قادة البلاد، فضلا عن مغامراتهم العاطفية، وتورطهم في بعض الجرائم والفضائح المالية.
وميز باحث آخر بين ثلاثة أنواع من الشائعات:
1- شائعات تجعل من الرغبات حقائق (شائعات تفاؤلية).
2- وتلك التي تعبر عن الخوف والقلق (توقع كارثة ما).
3- وتلك التي تلقي بذار الشقاق من خلال التهجم على بعض الشخوص في المجموعة.
الافتقار لمصدر
غالبية الشائعات تفتقر إلى مصدر يمكن التحقق منه: فالمصدر شخص في الظل.. مجهول! وتسرّع وسائل الإعلام في نشر الشائعة تماما كما تعجل في إطفائها. وتعمل وسائل الإعلام على تعزيز الشائعة عبر إضفاء هالة من الغموض على وقائعها اذا لم تتصدى للشائعة وتنتقدها.
الحد من الشائعة
للحد من الشائعات لا بد من اتخاذ خطوات هي :
- بناء جسور من الثقة مع وسائل الإعلام المحلية
- الإيمان المطلق بالقيادة.
- مكاشفة الشعب بشفافية بما يحدث لأن الشائعة تولد من الأسئلة التي تدور في ذهن الشعب ولا يجد جوابا عليها.
- العمل على إيصال الرسالة إلى الجمهور بكافة القنوات المتاحة، فوسائل الإعلام لا تكفي.
- تأمين فرص عمل للجميع، لأن الفراغ يثير السأم والقيل والقال.
خمود الشائعة
تخمد الشائعة اذا فشلت في مواجهة المنطق، وقد شبهها أحدهم بقطعة لبان تفقد مذاقها بعد مضغها بقليل. وهذا الأمر يستوجب استبدالها بشائعة جديدة لا تقل إمتاعا، ذلك ان معظم الشائعات تضطلع بوظيفة التسلية وتأمين استمرار المحادثة وتعطيل الملل والفراغ. لكن والحق يقال ان بعض الشائعات تقاوم الزمن.
كيف نخمد الشائعة؟
ان السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما مدى فاعلية تكذيب الشائعات؟ من الواضح انه لا توجد وصفة سحرية تمكننا من السيطرة على الشائعة. لكن هناك أساليب متعددة يمكن اللجوء إليها لمواجهتها منها:
1. الرد المباشر: فإذا اتهمت شائعة مؤسسة بأنها ممولة من جهة غير وطنية، قد تختار المؤسسة الرد المباشر، فتلجأ لطرح الحقائق أمام الجمهور عن نشأتها ومصادر تمويلها.
2. الرد من خلال قادة الرأي بإرسال ملف توضيحي لهم.
3. الاستعانة بوسائل الإعلام: وهنا تقوم المؤسسة بإصدار بيان يشرح كيف ان قادة الرأي العام يقرون بان المؤسسة لا علاقة لها بجهة مشبوهة. وهذا يستدعى ظهور الناطق الإعلامي للمؤسسة في برامج إعلامية ومواجهة الناس بالحقائق.
4. رفع دعوى قضائية على أفراد ثبت تورطهم في المشكلة.
5. تغير المؤسسة من شعارها وتستخدم شعارات وطنية.
استراتيجيات أخرى:
وهناك استراتيجيات أخرى لمواجهة الشائعة، منها:
1. التزام الصمت وتجاهل الشائعة.
2. التركيز على البؤرة: أي بالتركيز على المكان الذي صدرت منه الشائعة وانتشرت عبره.
3. حملة إعلامية: وهذه مكلفة، ولها مخاطر، من جملتها أنها ستسهم في اطلاع الكثيرين من الناس ممن لم يسمعوا بالشائعة فتزداد الأمور تعقيدا.
4. التكذيب: وهذا ينطوي على شوائب كثيرة لأن المستهدف سيدافع عن نفسه ويقول أنا بريء. فوق هذا، فان وسائل الإعلام لن تكرر التكذيب أكثر من مرة. أحد المتضررين عمد إلى وضع إعلان في الصحف كذب فيه شائعة مسته وأعلن عن مكافأة لمن يقدمون معلومات مفيدة عن مصدرها.
5. التناقض: البحث عن الخطأ أو التناقض في الشائعة والمزاعم المستحيلة مما قد يواجه الشائعة. والناس يقولون عادة (لا دخان بلا نار)، لكن النار قد لا تكون موجودة إلا في داخلهم، ومن ثم يمكن أن يقال ان الشائعة ظاهرة إسقاطيه.
معالجة المعلومة.. والصحافة
تتولد معظم الشائعات في الأعم الأغلب من انعدام الثقة بالرواية الرسمية، لذلك يتمثل مفتاح الوقاية بصدقية المصادر التي تتعامل مع المعلومة. وقد تميز خطاب تشرشل في الحرب العالمية الثانية باطلاع البريطانيين بشفافية على الخسائر من القصف الألماني الذي تتعرض لها بلاده أولا بأول مما أكسبه ثقة الشعب. بالمقابل، أثار قصف بيرل هاربر موجة شائعات بسبب الرقابة التي مارسها الأميركيون على الإعلام وقتئذ، حتى ان تدخل الرئيس روزفلت لم يسهم في إخماد تلك الشائعات بالكامل. ومن الثوار برز (تشي غيفارا) لأنه نجح في اكتساب ثقة رفاقه ومناصريه ذلك أنه اعتاد ان لا يتكتم حتى على أكثر الأخبار حرجا: كان يعرف أن عدم المصداقية سيتسبب على المدى الطويل بأضرار جسيمة أكبر مما قد ينجم عن نشر الأخبار بدقة.
اعتقد بعض الدارسين ان وسائل الإعلام تلعب دورا في القضاء على الشائعة، لكن التعايش بين وسائل الإعلام والشائعة يثبت العكس: فالشائعات هي أيضا رسالة إعلامية، او قناة إعلامية، مكملة وموازية تنقل حقيقة من نوع آخر. فإذا كانت المعلومة الرسمية الموثقة تندرج في إطار نموذج اتصالي تنازلي- من الأعلى إلى الأسفل - بمعنى أنها تسري من أولئك الذين يعرفون إلى أولئك الذين لا يعرفون، فلا يحصل المتلقون إلا على ما يراد لهم ان يعلموا به، فان الشائعة بالمقابل تسلك الدرب المعاكس-من الأسفل إلى أعلى- كأنما هي إشعار من المتلقين عادة إلى المرسلين بما يفكرون، أو يتمنون تحقيقه.
التحرك المبكر
عامل الوقت مهم للقضاء على الشائعة. التحرك المبكر ضرورة ملحة، خاصة عندما تكون الشائعة محصورة في نطاق ضيق. الشفافية إذن، والتحرك السريع، أمران ضروريان للوقاية من الشائعة ومحاربتها. ان إستراتيجية مقاومة الشائعة تأتي ضمن فلسفة معالجة المعلومة، وهذا يعني ان الرأي الذي يتبناه الإنسان ذات لحظة محددة إزاء موضوع يبقى رهنا بالمعلومات المختزنة في ذاكرتنا عن هذا الموضوع، لذا لا بد من العمل لكي لا تستقر المعلومة السلبية في ذاكرة المتلقين.
والصحف التي تحمل زوايا معنونة (بأقاويل وشائعات)، تنشر الشائعات السارية، ويمكن لها ان تواجه هذه الشائعات وتعلق عليها وتحد من انتشارها. كما يمكن أن يتصدى أحد الصحفيين للشائعة بنشر تحقيق صحفي ميداني يعمل على تفسيرها ودحضها، وهذا امر مهم.
والسؤال: لماذا التحقيق الصحفي؟
التحقيق الصحفي يجيب على: (لماذا؟). والشائعة بحاجة لتفسيرات تناسب هذا العنصر بالتحديد، إضافة للعناصر الخمسة التقليدية المتعارف عليها في كتابة الخبر.
يقدم التحقيق المعلومات التفصيلية التي لا يتسع الخبر لسردها بإفاضة كافية. صحيح أن بعض الأخبار قد تتوسع في نشر التقارير الإخبارية، أي تتوسع في مجال الإجابة على: (لماذا؟)، لكن هذا التقرير لا يعادل التحقيق الصحفي، للمزايا العديدة التي يتمتع بها عن غيره.
التحقيق والاستقصاء
التحقيق مرتبط بالاستقصاء الصحفي أو التحقيق الاستقصائي(investigative reporting). ويتميز التحقيق الاستقصائي بأنه يتوخى « الكشف عن واقعة أو نشاط غير قانوني، ثمة مصلحة لجهة ما في محاولة طمسه أو إخفائه»
أن اختيار موضوع يشغل بال الجمهور، كالشائعة، أمر سيجد الإقبال من القراء. فاذا ما تناوله صحفي مبدع، بالتحقيق والاستقصاء، والغوص في أسبابه، وما وراءه من مضاعفات، فانه لا شك سينال تفهما من جمهور القراء، ويعمل على إزالة الشكوك من أذهانهم.
قد يواجه الصحفي، في عصرنا الحالي، مشكلة عدم رغبة القراء في قراءة تحقيقات طويلة، والانترنت تتصف بالسرعة، لذا يمكنه اللجوء لأسلوب السلسلة (serialization): أي كتابة عدة حلقات على مدار عدة أيام يعالج فيه موضوعه. وميزة هذا الأسلوب انه يبقي الموضوع حيا لفترة كافية تساعد في شيوعه فيصل أكبر عدد ممكن من الجمهور المستهدف.
الخاتمة
قد نطلق على الشائعة أقذع الصفات، ولكنها تظل خبرا ينتشر بين أفراد المجتمع اذا ما تقاعس الإعلام عن القيام بدوره.. وفي عصر الثورة الرابعة الرقمية للاتصال الحالي، لا بد من الشفافية في التصدي للشائعة، بكافة أنواعها، لخفض حدة التوتر. ولإيصال الرسالة، لا بد من توفير إعلام منفتح على المجتمع بمسارين، وإلا استشرى المسار الآخر، الذي يحمل الشائعة عبر قنواته.
• هذه الدراسة ملخصة من كتاب
(الاعلام الرقمي العربي والتحديات الراهنة)
نشرته لمؤلفه د عصام سليمان الموسى نقابة الصحفيين الأردنيين هذا العام.
"الراي"