مهما كانت درجة الاختلاف، ومهما كانت مسافة التباين بين الآراء السياسية والاجتهادات في رؤية الأحداث الجارية وكيفية التعامل معها، فإننا جميعاً ينبغي ان نصطف في خندق الوطن، للدفاع عن أرضنا وشعبنا ومقدراتنا، عندما يصبح الوطن في خطر حقيقي داهم، لأنه في هذه اللحظة لا ينفع الاستغراق في الجدل عندما يكون العدو على أبواب المدينة.
كثير منا مازال على قناعة تامة بأن ظواهر التطرف والعنف لها أسباب وعوامل موضوعية وواقعية أسهمت في إنشاء بيئة حاضنة لها، وأن التغافل عنها يحمل أثاراً ونتائج وخيمة، وسوف تأكل ثمارها المرة، كما أن كثيراً منا يحمل قناعة بأن هذه الظواهر تحمل معها اختراقات واسعة مشبوهة، وتفوح منها رائحة المؤامرة، كما أن بعضاً منا يؤمن إيماناً تاماً بأن الاستراتيجية المتبعة في مواجهة ظواهر العنف والتطرف استراتيجية فاشلة، منيت بالإخفاقات المتتالية التي نلمسها ونحسها ونراها رأي العين.
في الوقت نفسه ينبغي أن نعلم علم اليقين بأن ظواهر العنف والتطرف ألحقت ضرراً بالغاً في الإسلام، ونقلت صورة قبيحة ومشوهة عن اتباع هذا الدين لدى العالم، كما أنها ألحقت ضرراً بالغاً بالعالم الإسلامي كله أرضاً وشعوباً ومستقبلا، وأصبحت تمثل شبحاً مرعباً للعالم كله، مما يستوجب رفع الصوت عالياً بخطورة هذه الفئات المتطرفة على الفكر الإسلامي، وعلى مستقبله الحقيقي، لأن الضرر الفكري والعقائدي أشد خطراً من الضرر المادي المؤقت.
عندما يقترب هذا الخطر من ساحتنا، يجب أن نهب جميعاً للدفاع عن أنفسنا، وأن نحصن مجتمعنا من امتدادات التطرف وجماعات العنف وفقاً لخطة شاملة، تشترك فيها كل القوى السياسية والاجتماعية على المستوى الرسمي والشعبي، بالتعاون مع المفكرين والعلماء وقادة الرأي وأهل الثقافة والفن، ورجال الصحافة والإعلام، خاصة إذ علمنا أن هناك بيننا من يحمل ثقافة العنف، ويحوي جذور التطرف التي تسللت عبر الزمن الى بعض القطاعات والشرائح المهيأة لتقبل هذه الأفكار والمقولات التي تقتات في مساحات الجهل والبطالة والمعاناة الاقتصادية، في ظل غياب التوعية والارشاد السليم، وفي ظل ضعف معاني الانتماء الوطني، وفي ظل الضحالة الفكرية التي أصبحت سمة بارزة ومشهودة.
نحن جميعاً يجب أن نقف صفاً واحداً وحاجزاً مانعاً أمام تيارات العنف مهما كانت مبرراتها، لأن هذه الثقافة ليست بديلاً صالحاً ومقنعاً ومنشوداً لدى شعوبنا للأنظمة السابقة الغارقة في الأخطاء والاستبداد، لأن ذلك لا يمثل حلاً فلا يجوز أن يكون القمع المتسربل بالدين، والذبح وجز الرؤوس والاعدام بالجملة حلماً يراود بعض فئات من الشباب تحت وطأة المعاناة والفكر المغلوط، لأن القمع ليس بديلا للقمع،والعنف ليس بديلا للعنف،و من يحمل الدين على هذا النحو فهو عدو للدين والإسلام الذي جاء لارساء معالم العدل والحرية والأمن والرفاه بدليل قوله تعالى : « طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى» ولا يجوز الذهاب إلى بعض الأقوال التي تصادم القواعد الثابتة والاصول الراسخة في القرآن والسنة، كمثل ما نسمع على ألسنة بعض الشباب : (لقد جئتكم بالذبح)،و(بعثت بالسيف)، فأين هذه الاقوال من قوله تعالى : « وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين» ،قطعية الثبوت والدلالة باجماع الامة.
نحن أمام موقف يستوجب منّا جميعاً امتلاك القدرة على اتخاذ المواقف الحازمة، القادرة على تقدير الظروف القائمة تقديراً علمياً دقيقاً وسليماً، وأن نبتعد عن موقف المتفرج عن بعد، أو موقف اللامبالاة، أو الذهاب إلى التخذيل والتشفي، لأننا باختصار أمام حقيقة لا فرار منها تتمثل بأن هذا الوطن وطننا وهذا الشعب شعبنا، يجب أن نحميه من الفوضى ومن عوامل الانزلاق نحو الخطر، بكل ما نملك من عقل وحكمة، وفكر وخلق ودين وانتماء عميق يظهر في اللحظات الحاسمة والظروف الحرجة، بعيداً عن المناكفات السياسية، والمزايدات اللفظية، والتجاذبات الفكرية التي تصنع الفتنة، وتنشر ثقافة التيه والبلبلة في نفوس الناشئة.
(الدستور)