عن الأمن الوطني والاستطلاعات
سامي الزبيدي
25-03-2008 02:00 AM
قبل أيام قليلة قال نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني من بغداد أن استراتيجية بلاده لا تصنعها استطلاعات الرأي، وهو بالمناسبة رجل صادق، ليس لأنه يحب الصدق كقيمة أخلاقية، بل لان أحدا لا يستطيع دفعه لقول ما لا يريد.أما أيهود اولمرت فقد دخل في حربه العدوانية ضد لبنان صيف 2006 متسلحا بما يشبه الإجماع الوطني ،حسب استطلاعات الرأي هناك لكنه خسر الحرب، وهذا مثّل صورة مقلوبة لمشهد دخول بريطانيا الحرب الكونية الثانية ضد النازية حيث كان الرأي العام وقتها ضد الحرب لكن ونستون تشيرشل كسب وكسبت معه بريطانيا العظمى وربما العالم بأسره.
مثل هذا الكلام يدلل على بؤس تحديد الأعداء المحتملين استنادا إلى استطلاعات الرأي التي تندرج أصلا في سياق الدراسات الإعلامية وليس الاستراتيجية، فالاستطلاعات تقيس مزاج العينة المنتقاة في لحظة معينة ولا تعكس قيمة معرفية بذاتها، وإذا كان السؤال المصمم يتصل بقضايا استراتيجية كتحديد الأعداء المحتملين فان نتائج الاستطلاع تبدو كنكتة سياسية تفتقر لخفة الظل وتلقى في غير وقتها.
يتحدث الاستراتيجيون عن حجم التهديد الإيراني المحتمل للمشرق العربي سواء في العراق أو في الخليج أو على شواطئ المتوسط ( غزة ولبنان) وهؤلاء ليسوا معنيين برأي العامل في ورشته والموظف في مكتبه والطالب على مقعده، فالحسابات الاستراتيجية تأخذ بنظر الاعتبار جملة من المعطيات ليس الرأي العام من بينها، بل ربما يستشعر الاستراتيجيون خطرا ما وهو كامن ولا يدري بمفاعيله سواد الناس، لذلك لسنا من هواة الاستماع إلى النكات التي تفتقر لخفة الظل، ونحن أحوج ما نكون إلى دراسات جدية تضع على طاولة صانع القرار الخيارات المحتملة لمواجهة خطر محتمل .
فيما يتعلق بالأمن الوطني لدينا مؤسسات مجربة وذكية وخبيرة في بناء تصوراتها حيال الأخطار المحتملة، وهذه اليقظة والحساسية العالية جنبت البلاد المكروه وجلبت للبلاد أمنا واستقرارا هو الأنصع في الإقليم ومثل هذه التصورات لا تصاغ عادة استنادا إلى رأي عام يلتقط بسؤال قد يصاغ وفق فكرة مسبقة تؤدي حتما إلى النتيجة المتوخاة.
ثقافة الاستطلاع تنفع لقياس المزاج العام في لحظة محددة وهذا النمط من الدراسات الإعلامية يستطيع قياس حظوظ مرشح لو جرت الانتخابات لحظة إجراء الاستطلاع وقد يتغير المزاج العام بعد ذلك لصالح من المنافس بالتالي فان صلاحية الاستطلاع للاستهلاك العلمي لا تتجاوز لحظة أجرائه.
ثمة مدارس فكرية وسياسية لا تعتبر الاستطلاع علما فيما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية فكيف يمكن إصلاح قطاع حيوي في دولة ما استنادا لقياس رأي.
قد تنتهج الحكومات خيارات غير شعبية في سياق دفاعها عن الأمن الاقتصادي أو السياسي لدولها رغم كون هذه الخيارات ضرورية وحيوية وقد تبني الدول سياساتها الإقليمية والدولية على تحالفات وعلاقات لا تحظى بقبول شعبي لكنها في ذات الوقت حيوية وضرورية وهو أمر لو اخضع لقياس الرأي العام لأعطى نتائج تتناقض والمصالح العليا للدول.
samizobaid@gmail.com