الإخوان وداعش و"الحرب على الإسلام"
د. محمد أبو رمان
30-09-2014 04:07 AM
يمكن أن نتفهّم موقف حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين) وتخوّفاته تجاه أهداف التحالف الدولي والإقليمي والمسار الغامض للحرب الراهنة ضد تنظيم "داعش". وهو موقف يلتقي -بالمناسبة- مع مواقف شبيهة وملاحظات سياسية لدى نخبة من السياسيين الأردنيين والعرب والأميركيين، كما تخوفات شريحة واسعة من العراقيين والسوريين.
كل ذلك لا غبار عليه ومنطقي. لكن المشكلة تتجلى عندما يقع بيان الحزب في فخّ كبير، بوصفه الحرب الراهنة ضد "داعش" بأنّها "هجمة منظّمة على الإسلام ودعاته، وعلى طموح الشعوب العربية التوّاقة للحرية"؛ فهذا خلط خطير وحسّاس بين تنظيم يسيء للإسلام وصورته ويخلّ بعدالة قضيّة السُنّة، وبين المطالب المشروعة للسُنّة العراقيين والسوريين، والخطاب الإسلامي الحضاري المطلوب!
على الأغلب، قصد الحزب ربط الحرب الراهنة بالأجندة الإقليمية العربية والدولية في اتجاه مضاد ومعاكس لثورات الشعوب. لكنّ التباس الموقف من "داعش" بالحرب، وعدم التأكيد، في الوقت نفسه، على الموقف الحاسم أيديولوجياً وفقهياً وأخلاقياً من هذا التنظيم وأعماله الكارثية، يخلق حالة رمادية وضبابية غير مقبولة ولا متوقعة في مواقف الحزب وخطابه الذي يعلن أنّه يمثل الخطاب الإسلامي المعتدل.
تبدو الإشكالية أكثر وضوحاً في أنّ النقد الموجّه من قبل جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي منذ البداية لتنظيم "داعش"، يمكن أن يقال عنه إنّه نقد ناعم وخجول، بينما كان الأصل أن يدرك "الإخوان" أنّ خطر هذا التنظيم وما يحمله من خطاب مسكون بالتكفير والانغلاق والعدمية، هو أكبر ما يسيء اليوم لصورة الإسلام والمسلمين، وهو الذي يمنح مبررات لتلك الأجندة الغربية والعربية الرسمية التي تدفع باتجاه وضع الإسلاميين جميعاً في حزمة واحدة، لا فرق بينهم بين معتدل ومتطرف، أو بين من يحمل فكراً ويؤمن بالعمل الديمقراطي السلمي وبين من يحمل تكفيراً مسلّحاً بحزام ناسف ومتفجرات!
من الضروري أن يميّز إسلاميونا بين الشروط الواقعية التي أدت إلى صعود "داعش" ونموه، والتي يتحمل مسؤوليتها التواطؤ الدولي والتخاذل الرسمي العربي والإقصاء والتهميش في كل من العراق وسورية من جهة، وبين ضرورة التأكيد على أنّ هذا التنظيم لا يمثّل بحالٍ من الأحوال السُنّة ولا الإسلام السياسي، بل هو أخطر تهمة تلصق بالسُنّة والإسلاميين اليوم، وما يقوم به هو الحرب الحقيقية على روح الإسلام وحضارته وثقافته.
القصة تتجاوز الحرب الراهنة على "داعش"، وما يرتبط بها من ملابسات، إلى الانتباه لتلك الثقافة المرعبة التي تنتشر اليوم في أوساط العديد من الشباب العربي والإسلامي باسم الإسلام، وإلى الأخطار والتحديات التي تواجهها أغلب الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي اليوم، وحتى صورة الإسلام نفسه؛ من خلال التشويه الراهن الذي ينجم عن "النموذج" الذي يقدمه "داعش" في الحكم، والتعامل مع الآخرين، والفنون، وحتى طريقة فهم أعضائه للإسلام ولفلسفة الجهاد، والموقف من الأقليات والمرأة ومفهوم الشريعة نفسه. فلا يجوز بذريعة تلك التحفظات المفهومة والمعتبرة نحو التحالف الراهن، أن ينسى "الإخوان" ما هو أكثر أهمية لمستقبل المجتمعات والمنطقة العربية.
الردّ على تلك الأجندة السياسية والإعلامية، التي تسعى إلى استثمار الحملة الراهنة لإدماج الإسلاميين كافة في خندق الإرهاب؛ وعلى الأصوات المشكّكة في الفروق بين "الإخوان" و"داعش"؛ يتمثّل في خطاب فقهي وفكري مؤصّل وعميق وواضح في نقد خطاب "داعش" وما يقوم به. وذلك لا ينفي حقّ الجماعة في اتخاذ مواقف سياسية، لكن على أرضية واضحة وراسخة. (الغد)