أعلن "الإخوان المسلمون" رفضهم مشاركة الأردن في الحلف الإقليمي الدولي ضد قوى الإرهاب التي تشكل تهديدا صريحا لأمنه، وتمثل خطرا أمنيا وثقافيا على المنطقة برمتها.
موقف "الإخوان" هذا يستدعي نقاشا معمّقا لا يكتمل من دون فهم دوافعه ومنطلقاته.
فإنْ انطلق هذا الرفض من قراءة لا ترى في داعش وغيرها من القوى الإرهابية خطرا على المملكة، فمنحى النقاش يجب أن يسير، ضرورة، نحو تقويم موضوعي لماهية هذه القوى وأثر تركها بلا ردع.
أما إذا كانت المعارضة لكل ما تتخذه الدولة من سياسات هي ما دفع "الإخوان" لرفض المشاركة في الحرب على الإرهاب، فضروري أن ينحو النقاش تجاه دور الأحزاب المعارِضة ومسؤولياتها في ظرف بحساسية ذاك الذي يعيشه الأردن وسط التحديات التي يواجهها جواره كله.
من هنا، مطلوب من "الإخوان" توضيح منطلقات موقفهم ورؤيتهم لكيفية حماية الأردن وأمنه ومصالحه من خطر إرهابي يهدد البلد، وحاول ضرب استقراره سابقا، ويعمل على التسلل إليه فكريا وأمنيا ليشوه ثقافة شبابه ويعتدي على أمنه.
وليتضح المشهد، ثمة حاجة لإجابات مقنعة عن أسئلة متداولة.
فلماذا لم يردّ "الإخوان" على التهديدات العلنية التي أطلقها إرهابيو داعش ضد الأردن؟ فالداعشيون يتحدثون زورا باسم الدين ويدّعون مرجعية دينية لِما يفعلون. "الإخوان المسلمون" هم الحزب الإسلامي الأكبر في المملكة. أين موقفهم العلني من هذه التهديدات؟
كذلك حاولت داعش وغيرها اختراق حدود الأردن عبر عمليات أحبطتها الأجهزة الأمنية وتصدى لها الجيش العربي، لماذا لم يكن هناك إدانة لهذه العمليات وسط عشرات البيانات التي يصدرها "الإخوان" حول كل صغيرة وكبيرة في المملكة وخارجها؟
كيف يقترح "الإخوان" أن يتصدى الأردن لهذا الخطر؟ هل يتركه ليقوى وليتمدد وليبني القدرة على قتل الأردنيين، كما فعلت في السابق تنظيمات القاعدة المختلفة، وخصوصا تنظيم أبو مصعب الزرقاوي الذي ولدت داعش من ظلاميته؟
أليس في ما ارتكبته القوى الإرهابية من إجرام بحق الأردنيين، وفي ما تعلنه من استهداف لوطنهم، دليل على أنها تنتظر الفرصة لإلحاق الأذى بالأردن وأهله؟ ألا يسقط الجواب عن هذا السؤال حجة أن الأردن إن حارب القوى الإرهابية ضمن التحالف استعداها واستدعى إرهابها، ذاك أن عداءها نحو الأردن ثابت لدرجة تجعل من واجب الدولة استباق خطرها وتدميره قبل أن يصل البلد؟
طبعا لا جدل أن العمل العسكري يجب أن يكون جزءا من معالجة سياسية ثقافية فكرية شاملة لآفة الإرهاب. بيد أن العمل العسكري ضرورة آنية لوقف القتل والتدمير وعملية بناء القدرات، حتى لا يكبر الخطر وتكبر، تاليا، كلفته على الأردن وعلى غيره من العرب والمسلمين الذين يشكلون الضحية الكبرى للإرهاب.
وهنا يبرز سؤال لا يقل أهمية عن كل ما سبقه. أين دور "الإخوان" في الميدان الفكري الثقافي من المواجهة مع الفكر الظلامي الذي تمثله داعش ومثيلاتها؟
ذاك أن إدانة هذا التشوه الفكري هو الخطوة الأولى في المعركة ضد ظلاميته. لكن حتى اللحظة، ليس هناك موقف "إخواني" رسمي يدين داعش صراحة ويرفضها منظمة إرهابية مجرمة؟
لماذا لا يخرج "الإخوان" بموقف علني لا غموض ولا مواربة فيه إزاء داعش؟ ألا ترى "الجماعة" أن كشف إرهابية داعش وظلامية فكرها مسؤولية تتحملها بوصفها الحزب الإسلامي الأكبر؟
لا يكفي أن يقول " الإخوان" إنهم يرفضون قيام الأردن بدوره في الحرب ضد الإرهاب. حجمهم ومكانتهم في المشهد السياسي يستوجبان توضيحا لموقفهم الفكري من داعش وما تمثله، وطرحا لبديل عملي لوقف القتل والتدمير الذي ترتكبه قوى الإرهاب إقليميا، وردا على تهديداتها المعلنة والحقيقية للمملكة.
الغد