حـوار مع الإسلاميين «10» «نرجسية»
بلال حسن التل
28-09-2014 03:14 AM
استعرضنا في مقال سابق بعض العيوب والأمراض التي تشترك بها الحركة الإسلامية مع محيطها ومجتمعاتها، والأنظمة التي تحكم هذه المجتمعات التي تتحدث عن إصلاحها وتغييرها. وقلنا: «إن فاقد الشيء لا يعطيه» كما تحدثنا في مقال آخر عن اختطاف الإسلام من خلال تمترس كل فريق من المصنفين بأنهم دعاة للإسلام خلف فهمه للإسلام والدفاع عن هذا الفهم بتعصب يعميه عن الحق عند من سواه. وقد آثرنا ان نؤجل مرضًا خطرًا من أمراض الحركة الإسلامية..
لنفرد له مساحة أوسع ليس لأنه فقط يجمع بين الأمرين أعني الأمراض، وخطف الإسلام لأنه من أسبابهما بل ولخطورته، وهو مرض النرجسية التي ابتليت به الحركة الإسلامية. فهو مرض تلمسه عندما تتعامل مع نسبة عالية من أبناء الحركة والدعاة الذين يفترض بهم ان يتصفوا بأوصاف الإسلام وأخلاقه، وأولها التواضع الذي كان السمة الأبرز في خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلوكه، فمن أين جاءت هذه الفوقية عند بعض هؤلاء؟
ولماذا يظنون انهم أفضل من غيرهم؟ ومن الذي منحهم الحق في تصنيف الناس: إسلامي وغير إسلامي، إيمانًا وكفرًا؟ ومن هو القادر على شق صدور الناس لقراءة قلوبهم وتحديد درجة إيمانهم، ومن ثم تصنيفهم على هذا الأساس؟ ألم يقرأ هؤلاء سيرة رسول الله، وكم كان يغضب عندما يُشكك أحدهم بإسلام شخص، مرددًا عليه السلام قولته المشهورة:»هلاّ شققت عن صدره»؟ بل إن رسول الله لم يقطع الخيوط مع المنافقين، وظل لديه أمل بأن يدخل في الإسلام عتاة المشركين، فكيف يقطع من هو دون رسول الله بآلاف الدرجات الخيوط مع سائر المسلمين، ويُشكك بدينهم لمجرد انهم خارج إطاره التنظيمي؟.
كثيرة هي الممارسات المتناقضة مع خُلق الإسلام التي يمارسها بعض الذين يسمون أنفسهم دعاة من المنتسبين للحركة الإسلامية، وهي ممارسات تعبر عن الإحساس بالفوقية والنرجسية التي ابتلي بها هؤلاء.
من ذلك هذا السيل من كيل التُهم لكل من يخالفهم الرأي، حتى ولو كان قبل أيام من أقرب المقربين إليهم، فتهمة العمالة جاهزة، وما هو أقذع من ذلك جاهز. فأين هذا كله من النهي عن قذف المحصنين والمحصنات؟ وأين هذا كله من قاعدة «فتبينوا»؟ وأين هذا كله من قاعدة «النهي عن أكل لحم أخيك»؟.
كثيرة هي أعراض مرض النرجسية التي تظهر على سلوك مجموعات من أبناء الحركة الإسلامية، ومن الذين يظنون أنفسهم دعاة إلى الله وأولها: إحساسهم بأنهم وحدهم الذين يمتلكون الحقيقة، وان موقفهم هو المقياس الذي يجب ان يقيس به الناس مواقفهم وآراءهم. وأخطرها إحساس الحركة بأنها ليست بحاجة إلى أحد، ولعل هذا سبب بروز سياسة إقصاء الآخرين وتهميشهم، أو الانقلاب على التحالف معهم، والواقعات في هذا المجال كثيرة.
على ان أخطر نتائج النرجسية انها تعمي المُبتلي بها عن عيوبه، وعن الاستماع إلى النصيحة ومن ثم تعميه عن الحق.
ولعل هذا من أسباب الكثير من الأخطاء التي صارت تظهر للعيان من سلوك مجموعات من المنتسبين إلى الحركة الإسلامية الذين يرفضون الاعتراف بالخلافات والانقسامات التي تعصف بها متهمين الإعلام والإعلاميين بأنهم يخترعونها، ومن ذلك رفضهم الاعتراف بأن الحركة بدأت تخسر الكثير من أنصارها ومحبيها.
وفي الوقت الذي تعمي النرجسية صاحبها عن عيوبه، فإنها تدفعه لترصد عيوب الآخرين وعثراتهم. بل وربما اختراعها وتوهمها.. ولعل هذا من أسباب ميل أبناء الحركة الإسلامية إلى اتهام غيرهم تارة بالعمالة، وأخرى بالانحلال.. الخ، بالرغم من ان المؤمن مُطالب بالستر وبحفظ اللسان وبإحسان الظن.
على ان أخطر دلالات النرجسية، أنها تؤشر على خلل في المنهج التربوي للحركة الإسلامية التي يجب ان تُربي أبناءها على التواضع وعفة اللسان وحُسن الظن والابتعاد عن الكِبر والمكابرة والإذعان للحق.. وبغير ذلك تكون النتيجة مزيدًا من التعصّب الذي يقود إلى التكفير.
كثيرة هي تداعيات النرجسية على الحركة الإسلامية وعلى الدعاة.. من أخطرها أن النرجسية هي الأرضية الخصبة للتعصّب، سواء كان هذا التعصب للرأي أو للتنظيم، أو ضد الغير.. ولعل هذا التعصّب هو الذي ولد الفكر التكفيري الذي نحصد اليوم ثماره دمًا ودمارًا.
ومن أخطار النرجسية انها حولت الحركة الإسلامية إلى حركة طاردة للأبناء، والحلفاء، والأصدقاء، بدلاً من أن تكون إطارًا جامعًا لكل من يريد الخير بهذه الأمة. وفعل الطرد هذا أدى إلى الكثير من المشكلات، منها صم الكثيرين من الناس آذانهم عن الاستماع إلى هؤلاء الذين رسموا صورة منفرة للإسلام.
(الرأي)