يهزني بين فينة وأخرى حنين جارف لمعشوقتي عمان، حنين لعمان التي نسجت لنا ولها من خيوط الفجر حكايات وأغاني وقصصا وحبا، وفصلت من أشعة شمسها سيمفونية وفاء وإخلاص لا ينتي ولا يجفّ حتى جفت انهر الوفاء في محيطنا، فان وفائنا لعمان وفاء دائم وعشقنا لها مزروع في عظام البدن، وهي بالنسبة لنا كما قال الشاعر "ولقد ثبتت في القلب منك محبة كما ثبتت في الراحتين الأصابع".
نعم يا سيدة البلاد، وسيدة العواصم، وسيدة المحافظات، مسست شغاف القلب، فبتنا نحن العمانيين لا نطيق البعد عنك، ومسست قلوبنا فلم نتعامل معك كأنك طارئة في حياتنا، كما لم نتعامل معك كأننا عابرون من بين زواياك، ومن ثم تنتهي رحلة العبور، فقد كنت دوما مسقط رأسنا الأول.
نعم يا سيدتي وعاصمتي، فأنت مدينتنا الأثيرة، وقصتنا الطويلة ومعشوقتنا الأصيلة، فلم تتبدلي ولم نتبدلْ، صحيح أنك كما أنت دوما استقبلتِ عابرين بين شوارعك عبر السنين سواء جاءوا من محافظات مختلفة أو من أماكن أبعد، ولكن بقيت أمنا الأصيلة، وعروستنا التي نحتمي في حضنها كل نهاية أسبوع، فلم يكن لنا غير مرابعك مربعا، ولا غير سهولك سهلا، ولا غير ازقتك ملاذا، ولا غير شوارعك مقصدا.
نعرف يقينا أنك بتّ بالنسبة للكثيرين عروسة المدن ومقصد كل باحث عن عمل وكل باحث عن مكان تحت الشمس، ولكننا نعرف أنك لنا نحن العمانيين، ستبقين مختلفة، لأننا نعرف أن هواك في قلوبنا مختلف، وحبنا لك لا يضاهيه حب وحرصنا عليك لا ينافسه حرص.
يا سيدة المدن أراني في نهاية كل أسبوع، أهرب إليك باحثا عن كل شبر فيكِ، كما يبحث العابرون بين شوارعك في نهاية كل أسبوع عن سيمفونية حبهم في مدينة أخرى ومكان آخر، حيث مرابع الصبا لهم هناك، وذكريات لا تنسى.
أما انأ العماني الذي يهزني دوما الحب لعمان، فإنني أعرف شوارعها شارعا شارعا وحارتها القديمة حارة حارة، وأعرف كيف تطورت عمان وكيف تمددت، وأعرف كما يعرف العماني معالي ممدوح العبادي أن في رأس العين، عين ماء بدأ سريانه منذ زمن، وما يزال حتى الآن في المكان (رائحة الماء) تفوح في الإرجاء.
أعرف كل شبر في عماننا القديمة، فأراني لا أشعر بأية غربة عندما يهزني الشوق أنا وزوجتي وأطفالي الذين باتوا شبابا أو قاربوا، ونحن نتمشى وسط البلد، فنشعر أن المكان مكاننا، والحارة حارتنا، وحتى لو تغيرت معالم بعض الأماكن بفعل التطور الذي أصاب مدينتنا الحبيبة، إلا أننا لم نضيع حبيبتنا وهي لن تضيعنا إطلاقا.
صحيح قد يجد القادمون لحبيبتنا عمان صعوبة هنا أو هناك، ولكن تلك الصعوبة تتلاشى أمامنا نحن العمانيين، فنحن الذين نعرف وسط البلد، وشارع المهاجرين والطلياني، شبرا شبرا، ونعرف أيضا كيف يمكن لنا أن نغوص في تفاصيل جبال اللويبدة والقلعة والنظيف والاشرفية والتاج والجوفة، وعمان، دون أن نضيع، كما نعرف تفاصيل جبال الحسين والمنارة والأخضر ونزال، والنزهة، والمريخ والزهور، ومخيمات الوحدات والحسين والنصر والمحطة.
عمان يا سيدة المدن وأجملها دمت بخير، ولك سنبقى نقول ونردد مع شاعرنا حيدر محمود "بارك يا مجد منازلها والأحبابا.. وازرع بالورد مداخلها باباً بابا".
يا عمان، يا حبيبة القلب دمت بخير من شر كل حاقد، يتربص بك شرا، ومن شر كل حاقد يحسدك على المكانة التي وصلت لها بفعل سواعد أبنائك.
ويا عمان ..."إذا تتْبدّل الأيام .. حنّا ما تبدّلنا"، وسنبقى دوما على العهد حافظين... فـ"صباح الخير يا عمان... يَا حنّه على حنّه"، وصباح الخير يا عمان يا ملاك مكن الجنة.
(الغد)