جدلية الطاعة و القناعة في أوراق الملك النقاشية
عمر كلاب
27-09-2014 03:16 AM
في الوقت الذي تختبئ خطابات التكوينات السياسية والرسمية خلف عباءة الملك في كل قراراتها , تحت لازمة « بناءً على توجيهات ... الى آخر الترنيمة « , اختار الملك ان يُطلق مشاريعه السياسية وبنات افكاره الحوارية عبر اوراق نقاشية تستحث العقل على التفكير وتقفل الباب امام التكوينات السياسية التي اعتادت الاختباء على ارضية تفضيل الطاعة على القناعة وإعمال النقل مكان العقل , حتى تيبَّس عقل الدولة وارتعشت اطرافها وفقدت قرون استشعارها .
في الجذر النظري لمفهوم الطاعة كما جاء في القرآن الكريم « وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم « فالطاعة المُطلقة واجبة لله والرسول وعطف القرآن طاعة ولي الأمر دون كلمة اطيعوا لأن طاعة ولي الامر مشروطة بالعمل في طاعة الله ورسوله , وكأن الملك اراد ان يصل الناس الى طاعة الدولة والانتماء لها عبر بوابة القناعة , فخلال كلمته قبيل عيد الاضحى الماضي اعاد الملك تعريف مفهومي المواطنة والنظام, بوصفهما ركني الحكم وغاية مقصده .
ثم اكمل مشروع القناعة الوطني بأوراق نقاشية تُعمل العقل مكان النقل , مع مجموعة مشاريع تحفيزية تستهدف التمكين الديمقراطي لجيل الشباب في المحافظات جميعها , فالتمكين اول خطوة نحو بناء المواطنة على اسس سليمة دون ضغط الحاجة او ليّ الذراع مقابل لقمة العيش وسيرورة الحياة , فلا ضمانة لحرية او ديمقراطية دون تمكين على كل المستويات حتى يكون القرار تعبير عن قناعة لا عن حاجة, ورأينا تلك الظاهرة بوضوح في المال الحرام المسيطر على الانتخابات البرلمانية مما اضعف سوية المجلس النيابي والتشريع تِبعا لذلك .
الملك في اوراقه يستند على قناعة الشارع الاردني باختلاف تلاوينه السياسية والفكرية والديمغرافية على مشروعية وشرعية المُلك الثابتة والراسخة في عقول ووجدان الاردنيين, وطموحه ان تستمد النخبة السياسية شرعيتها من قناعة الناس من خلال الانتخابات القائمة على برامج حزبية تفرز حكومة برلمانية وحكومة ظل او حكومة معارضة تصارع من اجل الوصول الى الحكومة , فتداول الحكومات هدف ملكي وشعبي عبّر عنه الملك نيابة عن الناس في ورقته الاخيرة التي حملت الرقم خمسة فيما استهلت الاوراق نقاشها بموضوعة التمكين والتراتبية مقصودة وليست عبثية او صدفة .
يعلم الملك انه ضمانة الحُكم في وجدان وعقول الناس، ويعلم يقينا أنه المرجعية النهائية لفض الاستعصاء السياسي وان الشعب بايعه على ذلك ومع ذلك يسعى الى اشراك الناس في افكاره وعقله علّ النخبة تتعظ وتمارس سلوكا تشاركيا مع الناس على ارض الواقع وليس من ابراج مكاتبية او صالونات نميمة , وان تقوم بإنتاج افكارها وسط بيئة قابلة للفكرة ونقيضها او لمعارضها , فالأفكار ملقاة في الطريق والماهر من يلتقط الأفكار ويصوغها في برامج عمل وليس للتنظير او للمشاكسة فقط .
يُمكن للملك ان يستكين الى شرعيته ومشروعيته , وانه ضمانة الأردنيين على اختلاف تكويناتهم , لكنه اختار الطريق الذي ينتج وطنا قادرا على الصمود في وجه أعاصير الإقليم وتداعيات المنطقة القائمة على جرف هاوٍ , فالقناعة هي الأساس كما العدل هو الأساس المعياري للحُكم , والملك خاض الطريق الصعب بعقلية منفتحة تتواءم مع 62% من الأردنيين وهذه نسبة الشباب في المجتمع الاردني .
لا يختلف الاردنيون على طاعة الملك، ولكنه اختار ان تكون القناعة طريق الطاعة, على عكس دول الاقليم العربي التي عانت وستعاني من تكريس الطاعة بالعسكر تارة وبالسحل والقمع تارات , ولهذا ينجو الاردن في كل مرة وفي كل أزمة وسيستمر في النجاة بإذن الله , فالقناعة الاردنية راسخة بتطوير المسيرة دوما والحوار هو طريق التقويم للمسيرة التي بدأت ترتكز على قناعة الاردنيين بدولتهم ونظامهم السياسي والمحافظة عليه في الرخاء والازمة وهذا ما اراده ويريده الملك .
(الدستور)