بمجرد صدور قرار المحكمة الأميركية، الابتدائي، بإدانة البنك العربي بتمويل الإرهاب، تصاعدت المخاوف من حدوث انهيار كبير في السوق المالي في الأيام التالية للقرار.
المخاوف تنبع من ثقل "العربي" الذي يشكل نسبة 30-35 % من الجهاز المصرفي الأردني، وأن ما يقع عليه سيصيب، بالنتيجة، باقي البنوك المحلية.
هكذا تصاعدت الهواجس من أن المشكلة لن تتوقف عند حدود بعينها؛ إذ هي ستبدأ بالبنك العربي، لكنها ستلاحق مصارف أخرى، وتحديدا بنوك المراسلة، ومنها بالطبع بنوك أميركية وأوروبية.
الخشية بعد صدور الحكم السابق ضد "العربي"، هي من ظهور قضايا مماثلة ضد بنوك أخرى، بما يضر بالسرية المصرفية، ويضعف من تنافسية البنوك التي لا تعمل، حتما، كجهة أمنية استخبارية.
إذن، القضية المقامة ضد البنك العربي في نيويورك، والتي صدر فيها حكم قابل للاستئناف، لن تتوقف تداعياتها السلبية، ومن الصعب عدم تلافيها مستقبلا؛ إذ كيف يمكن للبنوك أن تفرز الإرهابي من عدمه، والعالم كله يخوض حربا ضد الإرهاب، ويسعى إلى تجفيف منابع تمويله التي تتوسع يوميا؟ فتنظيم "داعش" وحده يتوفر له مليونا دولار يوميا من عوائد بيع النفط.
بالعودة إلى الحالة المحلية، فقد أثبت "العربي" خلال الأيام الماضية، أنه مؤسسة قوية راسخة؛ إذ رغم خطورة الحكم ضده، إلا أن انخفاض سعر سهمه بقي في حدود المقبول، ليبلغ 7.60 دينار، نزولا من 7.75 دينار، على مدى أيام التداول الماضية.
صمود "العربي" وتخفيف الخسائر ارتبطا بعاملين مهمين: الأول، دعم البنك المركزي، والتصريحات التي أصدرها مباشرة عقب الحكم، والتي أكدت على الثقة بالبنك، مع الإشادة بالشفافية التي تعامل بها مع القضية، في مقابل التشكيك في صحة إجراءات المحاكمة والقرار الصادر عنها.
"المركزي" أكد في بيان صحفي سلامة ومتانة الوضع المالي للبنك العربي، وقدرته على استيعاب أي تبعات مالية سلبية قد يتعرض لها نتيجة هذا القرار؛ إذ يحتفظ البنك باحتياطات كافية وسيولة عالية، ورأسمال قوي يتجاوز 7.9 مليار دولار.
وغمز "المركزي" من قناة عدم صحة الإجراءات؛ فجاء في بيانه أنه، ومن وجهة نظر قانونيين ومحامين محايدين، فإن الحكم المذكور صدر متأثرا بدرجة كبيرة بالإجراءات العقابية التي حدّت من قدرة "العربي" على الدفاع عن نفسه.
التشكيك في الإجراءات كان جليا، وليس من قبل جهات محلية فقط. فقرار المحكمة يخالف قرارات وتوجهات النائب العام الأميركي الذي أكد أن الحكم لا يستند إلى أسس قانونية سليمة، ولا يحترم سيادة وقوانين دول أخرى.
الحكومة الأميركية تدرك أيضا أن قرار إدانة "العربي" سيترك آثارا على الاقتصاد الأردني، فيما عمل الجانب الإسرائيلي على إدانة البنك من خلال التعاون المعلوماتي الذي يخدم المدّعين، هذا عدا عن كل ما يقال بشأن توفر قوى ضغط للإسرائيليين في نيويورك حيث تُنظر القضية.
القضية تاريخية، وهي الأولى في تاريخ المصارف العالمية، لأن محاكمة "العربي" تمت بناء على تعاملات مصرفية جرت مع شخصية مثل الشيخ أحمد ياسين، حصلت قبل إدراج حركة "حماس" على قوائم "الإرهاب".
الموقف المالي للبنك العربي صلب، والحديث عن خسائر مباشرة مرهون بمدى قيمة الأضرار التي تقدرها المحكمة في حال رُفض الاستئناف أو دين البنك بقرار قطعي. لكن حدود الضرر لن تتوقف عند "العربي"؛ فهو قادر ماليا على تحمل دفعات بقيمة مليار دولار، إنما السؤال يتعلق بمصير بنوك أخرى، مهددة، لا تملك مثل هذه الملاءة؟
قضية "العربي" سياسية بامتياز، لا تنفصل عن الصراع العربي-الإسرائيلي. لكن ما الذي يمنع من إقامة قضايا أخرى كثيرة مشابهة، طالما أن المعيار واحد؟! لماذا لم تقَم قضايا مشابهة على كل البنوك التي مَوّلت كل التنظيمات الإرهابية الحقيقية التي تحيط بنا اليوم من كل حدب وصوب، أم أن المليارات التي وصلتها لم تعبر من خلال قنوات المصارف؟!
(الغد)