أنهيت، في الأسبوع الحالي، قراءة رواية "الإرهابي 20"، لعبدالله ثابت (صدرت طبعتها الأولى في العام 2006، والخامسة في 2012)، وهو مؤلف ليبرالي سعودي.
وتكاد تكون هذه الرواية بمثابة سيرة لشخصية (افتراضية) زاهي الجبالي، الذي كان من المفترض أن يكون الإرهابي رقم 20 (مع مجموعة الـ19 التي نفّذت هجوم 11 أيلول (سبتمبر) 2001 في الولايات المتحدة الأميركية)، أو رقم 27 في السعودية (استكمالاً لقائمة المطلوبين الـ26). لكنّه لم يصبح كذلك، لأنّ تجربته الروحية والفكرية قادته إلى طريق أخرى!
تتحدث الرواية عن رحلة الجبالي نحو الالتزام مع حركات إسلامية سلفية حركية متشددة (بوصفه) في السعودية، منذ مرحلة المراهقة إلى الجامعة؛ ثم رحلته المعاكسة إلى الليبرالية والعلمانية، والنقد الحاد للخطاب السلفي وللاشتباك ما بين الديني والسياسي في الحياة العامة.
بالرغم من الحمولة النقدية الزائدة التي تحملها الرواية للتيار السلفي الحركي في السعودية، ولرموز ما يسمى بـ"الصحوة" هناك، أمثال ناصر العمر وعوض القرني وعائض القرني وسلمان العودة وغيرهم، وتحميل المؤلف المبطّن لخطابهم في الثمانينيات والتسعينيات المسؤولية عن ولادة التيار المتشدد في السعودية، إلاّ أنّ قيمة الرواية الحقيقية تتجاوز هذا الموقف إلى قدرة عبدالله ثابت على اقتحام الشخصية الدينية المتشددة، والشروط الاجتماعية لولادتها.
والأهم من هذا وذاك الحاضنة النفسية- السيكولوجية المهيأة لتلقي هذه الشحنات السلبية، والتحول نحو هذا الفكر والاتجاه.
الرواية تحمل في جنباتها سرداً سهلاً ممتعاً، وقدرة على النفاذ بالقارئ إلى بعض أسرار تشكّل هذه الشخصية؛ سواء عبر الشعور بالغربة والاغتراب مع العائلة أو المجتمع الذكوري السعودي، والبحث عن بيئة اجتماعية آمنة، ثم بيئة الشيوخ والمخيمات وما يجري فيها من عملية تجنيد وتعبئة نفسية وفكرية معمّقة لإنتاج الكائن الوجداني الجديد، أو ما يحلو لثابت تسميته "البرمجة النفسية والفكرية".
نقطة الضعف في الرواية تتمثّل في أنّ المؤلف يحاول تحميل المسؤولية عن أحداث 11 سبتمبر وصعود "القاعدة" والتيار المتشدد، لشيوخ التيار السلفي الحركي، وما قدّموه من فكر نقدي تجاه الدولة في بداية التسعينيات. لكنّه -أي المؤلف- يرتبك في الوقت نفسه عندما يتحدث عن الحالة السلفية نفسها، والتزاوج فيما بينها وبين الدولة؛ فيكتفي بالإشارة الضمنية إلى الخبيئة النقدية لديه، عبر الحديث عن آرائه المغايرة لموقف التيار السلفي من الموسيقى والأدب والفن والمرأة والحرية الشخصية والفكرية والعلاقة بين الدين والسياسة.
وهو لا يكتفي بذلك، بل يصرّ على عدم قبول التحولات التي حدثت لدى شيوخ "الصحوة" ومواقفهم السياسية التي اتجهت نحو الطرح المعتدل الواقعي في السنوات الأخيرة، فيما يجعل من هذا التحول أمراً مهماً وإيجابياً في شخصية بطل الرواية، الذي -وفقاً لثابت- يمثّل جيلاً كاملاً من الشباب الذين تمّ اختطافهم من قبل الأفكار والطروحات المتشددة!
بالرغم من هذا النقد، إلاّ أنّ الرواية قدّمت رؤية جميلة وممتعة، ذات نزوع نقدي عميق في مواجهة البيئة والشروط التي تنتج الشخصية المتشددة، وكذلك الاشتباك معها، والدخول إلى تفاصيل نفسية واجتماعية عميقة ومهمة في سياق الأسئلة الدينية والفلسفية والثقافية والصراع المرتكز إلى كتلة من التناقضات لدى هذه الشخصية، بين ما يشدها نحو الحياة والاعتدال والتحرر مما يسميه ثابت الاستعمار، وبين الدوافع التي تأخذها نحو مسارٍ آخر ما كان سيصل إليه بطل القصة لو لم تحدث لحظات التحول غير المقصودة في حياته!
(الغد)