كان الشرط المسبق للقوى السُنّية العراقية ومعهم الأكراد، تنحي نوري المالكي للدخول في العملية السياسية من جديد، والتصدي لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذي سيطر في وقت مبكر من هذا العام على مدينة الفلوجة.
تحقق لهم ما أرادوا؛ انسحب المالكي، وكُلف حيدر العبادي بتشكيل حكومة شارك فيها السُنّة. بيد أن ذلك لم يغير المعادلة على الأرض؛ القوى السُنّية لم تتحرك لتحرير الموصل من قبضة "داعش"، والبيشمركة اكتفت بتحصين مناطقها.
في سورية كان موقف المعارضة سلبيا بنفس القدر؛ دعمتها كل الدول الغنية في حربها لإسقاط النظام السوري، ولم تفلح. ليس هذا فحسب، فقد تقدمت القوى المتطرفة وسحبت البساط من تحت أقدام المعارضة المعتدلة وهي تتفرج. وفي غضون أشهر قليلة أصبح "داعش" يسيطر على نصف الأراضي في سورية، وفتح الحدود مع العراق الذي باتت أجزاء واسعة منه تحت سيطرة مقاتلي "الدولة الإسلامية".
وفي الأيام القليلة التي سبقت الغارات الجوية على سورية، كان تنظيم "الدولة الإسلامية" يجتاح المناطق الكردية في سورية، ويحتل قرى عين العرب في أقل من 48 ساعة.
انتصارات "داعش" الكاسحة، وتقاعس القوى المعنية عن مواجهتها، رفعا من سقف طموحات التنظيم، ولذلك بدأ قادته يخططون للتوسع في كل الاتجاهات، معتمدين على دعم وتجنيد مقاتلين من كل بلدة ومدينة يدخلونها. الخطوة التالية كانت محافظة درعا وجوارها في سورية، وإحكام السيطرة على وسط وغرب العراق.
لقد اتضح بشكل قاطع أن جميع الأطراف في العراق وسورية إما غير راغبة في قتال "داعش"، أو غير قادرة. الجيش العراقي مؤسسة متهالكة، و"السوري" منهك في حرب على كل الجبهات، وغير معني بالقضاء على "داعش" في هذه المرحلة على الأقل.
لقد تبدى هذا العجز من جهة، والتواطؤ من جهة أخرى، على شكل نداءات استغاثة أطلقها أكثر من طرف عراقي وعربي لطلب تدخل أميركي. لنعد إلى الوراء قليلا، ونراجع تصريحات المسؤولين في الإدارة الأميركية؛ لم يكن هناك من يفكر أو يرغب في التدخل العسكري، لا جوا ولا برا. الرئيس باراك أوباما ظل متمسكا بسياسة منكفئة عن التدخلات العسكرية. وفي هذه الحرب الجارية على "داعش"، أشعر أن أوباما قد جرى اقتياده للدخول فيها مرغما من قبل حلفائه في المنطقة. وقد وافق مقابل شرط أن ينخرط هؤلاء الحلفاء في الحرب جنبا إلى جنب مع أميركا. وكرر أوباما ووزير خارجيته جون كيري القول مرات عديدة: "لن نحارب نيابة عن الآخرين".
ولمن يتساءل عن مبررات المشاركة في هذه الحرب، ينبغي أولا قراءة الموقف بشكل صريح؛ النظامان السوري والعراقي عاجزان عن مواجهة "داعش"، والقوى المحلية في البلدين منقسمة في مواقفها، بينما التنظيم يتمدد عبر الحدود؛ فما السبيل لدرء أخطاره؟
إذا كنا لا نريد دورا لأميركا في الحرب، ونرفض أن "تتورط" بلداننا العربية فيها، فمن يتصدى لداعش إذن؟!
أمر كهذا يعني شيئا واحدا، وهو ترك "داعش" يتمدد ويعبر المزيد من الحدود، ويجتاح دولا أخرى في المنطقة، على غرار ما يقوم به على الحدود مع لبنان. وأول الدول المستهدفة هنا هي الأردن. كما أن دولة مثل تركيا ليست بمنأى عن الخطر، ولذلك سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تأييد الحرب والانخراط فيها، بمجرد أن تم تحرير الرهائن الأتراك المختطفين من قبل "داعش".
لنخرج من الجدل العقيم؛ حربنا أم حربهم؟ إنها حرب فرضت على الجميع رغما عنهم.
(الغد)