حوار مع الإسلاميين .. «تميع المجتمع»بلال حسن التل
24-09-2014 01:00 PM
تحدثنا في المقالين السابقين عن اختطاف الإسلام وعن جهود تكيفه وفق المقاييس الغربية، حيث ظهر ما صار يُعرف بالإسلام الأمريكاني والإسلام الاشتراكي....الخ، وكيف أدى ذلك إلى حالة من الفوضى الفكرية، خاصة في ظل غياب المرجعيات المسلمة الوازنة على الصعيدين-الفردي والمؤسسي-وكان من ثمار هذه الفوضى الفكرية غياب الحصانة، والمناعة الفكرية عن مجتمعاتنا التي صارت عرضةً لكل الرياح، بما فيها رياح السموم التي فعلت فعلها في بنية المجتمع، وزادت من حالة الفوضى الفكرية فيه، خاصة في الجانب الاجتماعي، فتحول المجتمع إلى مجموعة جزر ليس بينها تواصل وتفاعل، وصار لكل جزيرة من هذه الجزر قيمها وسلوكها وعاداتها الخاصة بها، حتى في المناسبات المشتركة كالأعياد -الديني منها والاجتماعي-وهو أمر أدى إلى تميع المجتمع. وهكذا فعلت ثلاثة محاور متضادة فعلها في بنية مجتمعنا، وساهمت جميعها في تميعه وإضعاف حصانته الحضارية وهي محور اختطاف الإسلام، ومحور تكيف الإسلام، ومحور تميع المجتمع تحت ستار التحديث.. حيث سعى الكثيرون إلى تذويب كل الأطر والأعراق والتقاليد الاجتماعية في مجتمعنا تحت ستار التحديث وقد بالغ بعض هؤلاء في جهودهم لتميع المجتمع إلى درجة وصلوا فيها إلى التحلل من كل القيم الأخلاقية، فظهرت في بلادنا الأفكار الشاذة «كعبدة الشيطان» وغيرها من الانحرافات، وصولاً إلى ظهور الدعوات إلى مهرجانات غربية وشاذة، ليس عن مجتمعنا فحسب، بل عن الذوق العام لمعظم شعوب الأرض.. من ذلك مهرجانات «البيجاما، والألوان، والبير الخ.. وقد ترافق ذلك كله مع دعوات خبيثة للاعتراف القانوني بممارسات شاذة، كالدعوة للاعتراف بالمثليين وما شابه ذلك من دعوات، فات أصحابها ان القيم الأخلاقية في مجتمعنا مرتبطة في معظمها بالإسلام الحنيف الذي هو في جوهره دعوة أخلاقية، يؤكد على ذلك قول الله تعالى في وصف رسوله الكريم:»وإنك لعلى خُلق عظيم»، وقوله صلى الله عليه وسلم عن مهمته السماوية:» إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وتأكيده على ان جوهر الإسلام هو السلوك الأخلاقي بقوله عليه السلام:»الدين المعاملة». بل إن الإسلام الحنيف يعتبر سائر عباداته مدخلاً لتحقيق منظومته الأخلاقية في المجتمع. فالصلاة مدخلٌ للنهي عن الفحشاء والمنكر، والحج لا يستقيم مع الرفث والفسوق، ومثل الصلاة والحج كذلك الصيام، لهذا السبب ولأسباب أخرى اعتبر المجتمع عمومًا والجمعيات والجماعات والحركات الإسلامية على وجه الخصوص الهجوم على المنظومة الأخلاقية هجومًا على الإسلام، مثلما اعتبروا الكثير من الانحرافات الأخلاقية سببها الابتعاد عن الإسلام، وكلا الأمرين صحيح، غير أن ما هو غير صحيح هو أسلوب المعالجة لهذا الخلل الأخلاقي. فمثلما تطرف مدّعو التحديث في دعواتهم وسلوكهم تطرف بعض الإسلاميين في معالجتهم لهذا الخلل. فلجأوا إلى الخشونة في القول والعمل الذي أخذ في كثير من الأحيان صورة عنيفة، ناسين ومتناسين قوله تعالى:»أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»(النحل:125). وزاد الطين بلّة تغوّل السياسي على التربوي في عمل الكثير من الجمعيات والجماعات الإسلامية. فهذا التغوّل أدى إلى تقليل اهتمامها بالجانب الأخلاقي والاجتماعي، فسهلت مهمة دعاة التحلل من الأطر الأخلاقية، فتقدم لملء الفراغ الذي تركته الجماعات والجمعيات الإسلامية أنصاف المتعلمين، من الذين يحسبون أنفسهم دعاة حيث ساهم أسلوبهم الفظ في تعميق المشكلة بدلاً من علاجها. فظهرت بوادر انشقاق أفقي وعامودي في المنظومة القيمية للمجتمع، مما زاد من ضعف مناعته أمام مختلف التيارات، ومنها تيار التعصّب والتكفير، الذي هو في صورة من صوره ردة فعل عنيفة على مظاهر الإنحلال في المجتمع وتميعه.
|
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة