الغور من الشونة الشمالية الى العقبة، بما يعنيه من زراعة وغذاء وطاقة وماء وفرص عمل، يعد هبة الاردن وسلة غذائه، أغنى بقاع العالم بما يختزنه من قدرات زراعية وتنوع غذائي.. .. ليس هناك خطط للحكومة في استغلال امكانياته الدفينة والمعطلة وانقاذ أهله المقهورين من شدة الفقر والعوز والمعاناة، من حالة البؤس الشديدة التي تكتنف ايامهم ولياليهم .
الغور من اقصاه الى اقصاه قطعة عزيزة من مساحة الوطن العزيز، حظي بأغاني فريدة تصور جماله، يا شوقي يالله انا وياك، ع الغور نزرع بساتيني، يا نازل ع الغور ياخوي هنيالك....! أغاني من رحم الارض تروي جمال الغور وروعته.. وهي قديمة جدا بالمناسبة، اما الآن فلا أغاني للغور ولا بواكي له.
سكانه اثبتوا على مدى عمرهم انغراسهم وتشبثهم فيه وانتمائهم لهوائه الحار وشمسه اللاهبة، لا يعرفون سوى الأرض فقط، سكان الغور، يعانون من الفقر والحرمان وتحت أقدامهم كنوز الأرض ومعادنها ..كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول.
تقرأ في وجوه شيوخ أهل الغور ألم الجرح وتجاعيد الزمان ووجع السنين، وفي عيون أطفالها أحلام بريئة تحاكي مرارة الفقر والعوز والتهميش وفي صدور شبابها استوطن القهر وخيم فوقها بؤس الحياة... ذباب ينافس أهلها حتى على وجبة طعامهم، وحرارة تقض مضاجعهم..ومياه ملوثة ترتفع بها نسب الكبريت والملوحة مما يجعلها غير مستساغة لا للشرب ولا لطهي الطعام.
غياب للتنمية، ومستوى معيشي متدني ونسب بطالة مرتفعة في صفوف شبابها وشعور بالضنك, ومعاناة دائمة في ظل أوضاع تتداخل فيها قساوة الطبيعة وإهمال الحكومة.
شركات ومصانع ومشاريع تتوسع على اراضيها ويزداد انتاجها ورأس مالها من جيوب أهلها الفقراء الذين لا يجنون منها إلا الفتات لا بل ويحرمون حتى من الوقوف على بواباتها.
أبناء الأغوار رغم الظلام الدامس الذي يلتحفون به، إلا أنهم مؤمنون ومقتنعون وراضون بحالهم..فهم خير من إنتمى لهذا الوطن، لا يعرفون الأعتصامات ولا الإضرابات ولا الغياب عن العمل، ولدوا مع العمل، ..بسطاء طيبون في حياتهم ولكنهم كبار حتى في فقرهم وعوزهم, يمتلكون قلوبا بيضاء نقية ..يكرمون الضيف وعابر السبيل, يدفعهم في ذلك نقاء سريرتهم وطبعهم النبيل، انهم ما زالوا يستقبلون مواسم الزراعة والمطر بالأهازيج وهم رافعين ايديهم الى السماء يحمدون الله ويشكرونه!!! .
أبناء الغور... ولدوا من رحم المعاناة، وعلى جباهم السمر تتلألأ قطرات العرق لتختلط بتراب الأرض لينبت الزرع ويدر الضرع، ويزيد الإنتاج ..
أيادي أبناء الغور خشنة الملمس، لا تعرف إلا موسم البذر والزرع وقطف الثمار, مغلفة بطبقة من الفقر والحرمان والقهر والحزن ، أبناء الغور يبتلعون أوضاعهم لأجل الوطن رغم ثقل حجم المعاناة ولسان حالهم يقول : هل مسقط الرأس للإنسان غلطة بات طول العمر يدفع ثمنها ؟؟
تحية إجلال واكبار الى أولئك الذين أحنت أرض الغور ظهورهم ولوحت شمسه جباههم وجبلوا بعرق أجسادهم ترابه الطاهر، تشرفت بزيارة الغور مرات ومرات فوجدته كنزا زراعيا، تعيش حالة بائسة شديدة، تتوضح عبر تفشي الفقر والبطالة والبؤس والحرمان لدى ابنائه فهل من مغيث.
التقيت بعض اصدقائي فيه، فلمست أن مشاكلهم مستعصية، ليست وليدة يوم وليلة، ودتها تكمن في عدم انتباه الحكومات المتعاقبة لقضايهم وعدم جديتها في حل مشكلاتهم.