تحت عنوان "اليمن: غداً يوم آخر"، صدّرت صحيفة "الأخبار" البيروتية (المقرّبة من حزب الله وإيران) صفحتها الأولى، احتفالاً بالانتصار العسكري الساحق الذي حققه الحوثيون على الدولة اليمنية، واضطرار الحكومة اليمنية إلى توقيع ما يشبه اتفاق "إذعان" لمطالب الحوثيين الذين ما يزالون يمسكون بزمام الأمور الأمنية والعسكرية في اليمن، بعدما ذاب الجيش اليمني والقيادة ووزارة الدفاع وتبخّروا، كما تبخّر جيش نوري المالكي قبلهم في الموصل وتكريت، وكما سقطت المطارات والفرق العسكرية في شمال سورية بيد تنظيم "داعش"!
في هذه الأيام، نحتاج إلى قراءة ما بين السطور في الرسائل المتبادلة بين الدول والحكومات، وربط الأحداث جيّداً ببعضها، والبحث عن الصفقات الإقليمية والدولية غير المعلنة! فتقرير "الأخبار" اللبنانية (الرواية الإيرانية)، يلمّح إلى ما أعتبره "إقراراً سعودياً" بالهزيمة في اليمن. إذ بينما كانت المؤسسات السيادية والسياسية المهمة في صنعاء تسقط في يد الحوثيين، جاء لقاء وزيري الخارجية الإيراني والسعودي، ليؤكّد فيه الرجلان على أهمية العلاقات الثنائية بين الدولتين الجارتين، وإشارة سعود الفيصل إلى "تحاشي أخطاء الماضي" وفتح صفحة جديدة.
بالضرورة، من غير المتوقع أن تتجاوز الدولتان (السعودية وإيران) الخلافات الاستراتيجية الهائلة بينهما، ولا نعرف فيما إذا كان ما وصل إليه تقرير "الأخبار" اللبنانية صحيحاً فعلاً، بأنّ "السعودية أقرّت بالهزيمة"؛ إذ إنّ علامة استفهام كبيرة تملأ الفضاء تستحق نقاشاً معمّقاً في الأوساط السياسية العربية، تتمثل في السرّ أو اللغز الكامن وراء تخلّي دول الخليج وأصدقاء الحكومة اليمنية، مثل الولايات المتحدة الأميركية، عن هذه الحكومة، وترك الدولة لقمة سائغة سهلة للحوثيين وإيران، فيما كانت القوات الأميركية منهمكة في رصد قادة "قاعدة" اليمن واصطيادهم، ودعم الحكومة اليمنية ضدهم. فلماذا أغمض الجميع أعينهم عن الحوثيين = إيران؟!
ربما أحد الأجوبة نجده لدى رئيس تحرير صحيفة "الحياة" اللندنية (المقرّبة من السعودية)، غسان شربل.
إذ كتب مقالاً تحت عنوان لافت ومهم بذاته "صنعاء أخطر من دمشق". وربما تلخّص رواية أحد اليمنيين (التي ينقلها شربل) بعض هذه التقاطعات والألغاز الإقليمية واليمنية؛ إذ ينقل عنه شربل "ما يجري على الأرض أهم بكثير مما يُكتب على الورق، وإن محاولة الانقلاب الحوثية تقترب من النجاح وإن "الحوثيين سيطروا عملياً على الدولة.. إننا نشهد نهايات اليمن الذي تعرفه ونعرفه. واضح أن الجنوب سينفصل وسيسقط في أيدي الإسلاميين. وواضح أيضاً أن المناطق ذات الكثافة السنّية لن تستسلم للحوثيين، وأنها ستتمرّد وتحاول العيش في ظل سلاحها. سيكون لدينا داعش أو دواعش".
يضيف الشاهد اليمني "الاندفاعة الإيرانية-الحوثية للإمساك بصنعاء تحمل في طياتها رداً على دور السعودية في التحالف الدولي وموافقتها على تدريب الجيش السوري الحر، كما تعكس الاندفاعة تخوُّف إيران من احتمال خسارتها دمشق بعد تأكيد واشنطن أن الحرب على "داعش" لن تعني إعادة تأهيل نظام الأسد".
ويقول إن الحوثيين يتقدمون في صنعاء، وقد أحرقوا جامعة "الإيمان" انتقاماً من الداعية عبدالمجيد الزنداني، وأن اللواء علي محسن الأحمر يقاتلهم ولكن بلا أمل. ووصف ما يجري بأنه "انتقام مركّب. انتقام إقليمي ومذهبي ومناطقي وقبلي".
ينهي الرجل كلامه بالقول: "صفحة أشدّ خطورة فتحت في اليمن، وستثبت الأيام أنّ صنعاء أخطر من دمشق".
ما قاله الرجل اليمني مهم وعميق، فالقاعدة تنتظر اللحظة المناسبة للإمساك بالجنوب. إلا أنه ليس يوماً آخر فقط في اليمن، بل في العراق وسورية ومصر وليبيا، وغيرها من المناطق، لكنّ أحد مؤشراته المرعبة يتمثّل في هذا السقوط والانهيارات الفجّة الخاطفة للجيوش الضخمة أمام ميليشيات طائفية عقائدية؟!
(الغد)