تصنيف الجامعات ضرورة إستراتيجية
د. مأمون نديم عكروش
22-09-2014 04:50 AM
الجامعات تلعب دوراً ريادياً في رفد الإقتصاد الوطني بالكفاءات والمهارات اللازمة لبناء إقتصاد متين يستند على العلم والمعرفة وفقاً لإحتياجات المجتمع مع الأخذ بنظر الإعتبار التغيّرات التي تجري في عالم الإقتصاد. يجب أن نعترف أن جودة المهارات والكفاءات المطلوبة محلياً وإقليمياً ودولياً قد تغيرت وأرتفعت معاييرها.
بصراحة هل جامعاتنا إستطاعت مواكبة هذه التطورات بعدما كانت تقود التعليم العالي في المنطقة لثلاثة عقود على الأقل؟ أنا شخصياً وإلى حدِ كبير أعتقد لا! يجب أن نتوقف عن مطالبة الحكومات الأردنية بالعمل على تحسين جودة التعليم العالي لدينا وتحميلها مسؤولية التعليم العالي في الأردن سواء سلبياً أم إيجابياً.
الحل الوحيد لرفع سوية التعليم العالي في الأردن يكمن في رفع درجة إستقلالية الجامعات الأردنية والبدء فوراً بعملية شاملة لتصنيفها وفقاً للمعايير الدولية ووفقاً لما يتناسب مع متطلبات السوق وإحتياجات المجتمع الأردني. هذه هي الطريقة الوحيد التي يمكن من خلال الحدّ من صرف "الكراتين" ورفع جودة التعليم العالي في الأردن.
الأردن لديه كل المؤهلات اللازمة لقيادة دفة التعليم العالي في المنطقة نظراً لجودة "العنصر البشري الأردني" والتي بحاجة ماسة الى صقل بطريقة صحيحية. يجب تصنيف الجامعات على أسس موضوعية وأن يكون الحُكم أدائها من خلال سوق العمل المحلي والإقليمي على الأقل. لذلك الخطوة الأولى لأي جامعة تبدأ بوضع إسترتيجية طويلة المدى بحيث ترتكز على المزايا لديها والتي يجب أنّ تقودها إلى موقع مميّز في سوق العمل.
من أجل تصنيف علمي للجامعات لدينا هناك عدة مرتكزات "غير تقليدية" تلعب دوراً محورياً في هذه العملية.
اولاً، جودة أعضاء الهيئة التدريسية بحيث يكونوا قد تخرّجوا من جامعات مشهود لها بالعلم والمعرفة.
ثانياً، أنّ يكون أعضاء هيئة التدريس لديهم إستقرار مادي ومعنوي وحرية أكاديمية.
ثالثاً، توفير مستلزمات العملية التعليمية ومحتواها وعناصرها بشكل كامل بحيث يتم القيام بالعملية التعليمية على أسس مهنية عالية المستوى.
رابعاً، أنّ يكون الطلبة محور الإهتمام الجوهري في الجامعة بحيث يتم تخريج "منتج" جاهز للميدان ووفقاً لما هو مطلوب في سوق العمل.
خامساً، الإهتمام بالبحث العلمي "التطبيقي" وليس البحث العلمي لغاية الترقيات والرتب العلمية ثم بعد ذلك يتوقف الإنتاج العلمي الرصين-يمكن الإستفادة من التجربة الألمانية في هذا الجانب.
سادساً، أنّ يكون التعليم الجامعي "مهنة حياة" وليس "ترف عمل" لأن من يؤمن بشئ يبٌدع فيه!
سابعاً، دعم البحث العلمي ذات الجودة العالية وعلى أسس دولية مع مراعاة خصوصية كل حقل بحث علمي.
ثامناً، تأسيس علاقات وشراكات حقيقية وفعّالة مع قطاعات واسعة من الإقتصاد الوطني بحيث تبقى الجامعات على إطلاع وثيق جداً على متطلبات سوق العمل وتخريج كفاءات تواكبها! تاسعاً، يجب أنّ يكون في كلُ جامعة مركز متخصص ليكون حلقة وصل بين الطلبة (الخريجين والذين على مقاعد الدراسة) والقطاعات الإقتصادية المختلفة وتقديم النصح والإرشاد لهم فيما يتعلّق بمستقبلهم المهني. عاشراً، عمل شراكات حقيقية وطويلة الأجل مع المجتمع المحلي المحيط في كلُ جامعة.
عندما يتم تصنيف الجامعات على هذه الأسسس فانها ستكون معايير واضحة للحٌكم على أداء الجامعة والطلب على "منتجاتها" (خريجيها) في سوق العمل وتصبح أكثر قدرة على إستقطاب أفضل أعضاء هيئة تدريس وأفضل طلبة وأفضل شراكات مع مختلف قطاعات الإقتصاد الوطني. أما الجامعات التي لا تستطيع مواكبة التطورات التي تحدث في سوق العمل وتحسين تصنيفها فانه سوف تخرج من سوق العليم الجامعي وتتوقف عن صرف "الكراتين" لديها. هذا التصنيف سيكون الأساس العلمي والمنطقي لمعايير قبول الطلبة في المستقبل.
هذا ما إتبعته الجامعات المرموقة في بريطانيا وأمريكا والمانيا كأمثلة على ذلك. نتمنّى أن يكون هناك مبادرة وطنية لتصنيف الجامعات الأردنية على أسسس سليمة.