حوار مع الإسلاميين (8) (تميع الإسلام وتكيفه)
بلال حسن التل
21-09-2014 03:21 AM
تحدثنا في مقال سابق عن اختطاف الإسلام على أيدي الجماعات والجمعيات والحركات والأحزاب الإسلامية، وكيف سعت كل منها إلى فرض فهمها التنظيمي على المسلمين وغير المسلمين باعتباره هو الإسلام، وان هذه الجمعية أو تلك الجماعة أو الحركة أو الحزب هو الذي يمثل الإسلام.
وكيف أدى ذلك إلى ظهور الفكر المتعصّب والتكفيري، غير ان الأمر لم يقتصر على اختطاف الإسلام على أيدي الجماعات والجمعيات والحركات الإسلامية، بل ولنفس السبب وهو غياب المرجعيات الإسلامية الوازنة وكذلك الشخصيات العلمائية المعتبرة برزت جهود أفراد وجماعات وجمعيات هدفت إلى تكييف الإسلام وفق معطيات الحضارة الغربية الحديثة ومقاييسها ومفاهيمها بشقيها الغربي الرأسمالي، والشرقي الاشتراكي والشيوعي، فظهرت مدارس تدعو إلى اشتراكية الإسلام وأخرى إلى علمانية الإسلام، مثلما ظهرت مدارس ودعوات، وكتبت كتب ومؤلفات عن ليبرالية الإسلام، وعن البُعد التنويري في الإسلام، وصارت تبذل جهود كثيرة من أتباع كل مدرسة من هذه المدارس للبحث عن نص قرآني، أو حديث نبوي، أو قول أو موقف لصحابي جليل يتواءم أو يتوافق أو يتلاقى بصورة من الصور من مفهوم من مفاهيم الحضارة الغربية، ليبرهن على عصرية الإسلام وعلى تلاقيه مع الحضارة الغربية. وصرنا كثيرًا ما نسمع أو نقرأ استشهادات من مسلمين فرحين بأقوال وآراء غربية حول الإسلام، أو بالبحث عن صحة الإسلام من خلال اكتشافات علمية حديثة تتطابق مع نصوص قرآنية أو أحاديث نبوية، لتؤكد صحة الإسلام وعظمته. وعندي ان هذا افتياتٌ على الإسلام وقلبٌ للمعادلة.
فالأصل ان الإسلام دين سماوي نزل كخاتمة للأديان والرسالات السماوية، وكمنهج لإصلاح واقع البشرية إلى يوم الدين.
وهذه هي الحقيقة التي يجب ان يؤمن بها كل مسلم. ومن ثم فالإسلام هو الذي يجب ان يكون مقياسًا لصحة الآخرين ولصحة نتائج ما يتوصلون إليه وليس العكس؛ كما نفعل نحن الآن بفعل الهزيمة النفسية التي نعيشها، وهي الهزيمة التي جعلتنا ننسى ان الإسلام نظام متكامل أخلاقيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، ومبادئ سياسية جوهرها العدل، والمساواة، والحرية، والشورى، والمشاركة. وان أي تلاقٍ بين الإسلام وأي نظام أو اجتهاد بشري آخر لا يجوز ان نتعامل معه على انه دليل على صحة الإسلام، بل دليل على صحة ذلك النظام أو الاجتهاد البشري. لأن الإسلام هو الأصل الذي يجب ان تقاس عليه الأشياء.
خلاصة القول في هذه القضية: إنه مثلما أدى اختطاف الإسلام على أيدي أحزاب وجماعات وجمعيات وحركات تصف نفسها بالإسلامية إلى حالة من الفوضى الفكرية الناجمة عن تقديم فهوم تنظيمية وحزبية مختلفة للإسلام، كان من بينها الفهم التكفيري المتعصّب، فإن محاولة تمييع الإسلام عبر تكييفه وفق معطيات الحضارة الغربية المعاصرة بشقيها الشرقي الاشتراكي، والغربي الرأسمالي، ساهم في تعميق الفوضى الفكرية وتعدد الفهوم للإسلام، ومن ثم مهّد الطريق أمام بروز الفكر المتعصّب عندما شعرت نسبة من المنتسبين إليه ان هناك هجمة لتشويه الإسلام وتحويله إلى كهنوت غربي أو ملحق للحضارة الغربية..
فهبت هذه الفئة من المسلمين للدفاع عن الإسلام، لكنها كانت وما زالت تُعاني من نقص في الأدوات وقصور في الفهم، ولم يكن أمام هذه المجاميع الراغبة في الدفاع عن الإسلام إلا الارتداد إلى أعماق التاريخ واسترداد الصورة البشرية للإسلام الممثلة في ممارسات المسلمين الظاهرية كالثوب القصير، والقتال بالسيف، وقطع الرؤوس والأيدي بها لإقامة الحدود، متناسية ان الإسلام مبادئ جوهرية يمكن التعبير عنها بأدوات العصر الذي يعيش فيه المسلم. فالمسلمون الأوائل كانوا يركبون الخيل للتنقل نشرًا للدعوة، فهل نمتنع نحن عن ركوب وسائل النقل الحديثة؟ والمسلمون الأوائل قاتلوا بأسلحة عصرهم.
فهل نمتنع نحن عن استخدام الأسلحة الحديثة؟ والمسلمون الأوائل لبسوا الثوب القصير لدواعي النظافة ولطبيعة البيئة التي كانوا يعيشون بها، فهل يظل قصر الثوب لباس المسلم مهما تغيرت الظروف المناخية والبيئية، والمسلمون الأوائل كانوا يستدلون على المواقيت بحركة الشمس والقمر..
وقد صار لدينا الساعة والمرصد وخلافهما، فهل نمتنع عن استخدام ذلك كله لنحتفظ بصورة نمطية للإسلام في وجه جهود تميعه؟ إن الجواب على ذلك كله: «لا» كبيرة.. فالإسلام في جوهره مبادئ، أولها تحقيق وحدانية الله، والأيمان برسله، وكتبه، واليوم الآخر، وإقامة العدل على الأرض وإعمار الأرض بمعطيات العقل، وبخلاف ذلك يكون تعصبًا لمرحلة تاريخية مضت بكل ما فيها من «غث وسمين» وهو التعصب الذي يقود في كثير من الأحيان إلى التكفير والقتل بغير حق، وهذا مخالف لأبسط قواعد ومبادئ الإسلام الحنيف.
(الرأي)