مر وقت كانت فيه كتابة مذكرات المسؤول الأردني بمثابة تمرد ينظر إليه شزراً، ولكن يبدو أن هذا التقليد يوشك على الاختفاء بالتدريج، فقد بدأ رواد أردنيون متميزون يغامرون بكتابة مذكراتهم، ليس لاشباع رغبة ذاتية فقط، بل أيضاً خدمة للحقيقة كجزء من ذاكرة البلد وتاريخه.
أقول هذا بعد أن قضيت عدة أيام بقراءة ممتعة لمذكرات فخري أو طالب، وهو لواء ركن خدم في مختلف أسلحة القوات المسلحة وأحيل على التقاعد كمساعد لرئيس هيئة الأركان وهو في الخامسة والأربعين. وبعد استراحة قصيرة عين سفيراً للاردن في باكستان ثم اليمن ثم لبنان ثم العراق، كما عين عضواً في مجلس الأعيان مما اعتبر تتويجاً لحياة حافلة بالخدمة العامة.
خلافاً لبعض كتاب المذكرات، لم يكن في حياة فخري أبو طالب كما تعكسها المذكرات خطأ كبير ندم عليه ويريد الدفاع عنه وتبريره، فقد كان ناجحاً ومتميزاً في كل موقع عسكري أو دبلوماسي أو تشريعي أشغله.
تلخص المذكرات مراحل حياة ضابط ودبلوماسي وعين بأسلوب ينبض بالصدق وعدم المبالغة والبعد عن إدعاءات لا لزوم لها، طالما أن هناك إنجازات حقيقية مشهود لها.
لا أعرف العين فخري أبو طالب ولم أقابله في حياتي، ولم يخطر لي يوماُ أنني سأدخل في حياته ابتداءً من دراسته في كلية الحسين الثانوية، مروراً بالخدمة العسكرية والمهمات الدبلوماسية مما يثير الإعجاب والاحترام.
كما هو متوقع، وردت في المذكرات أسماء عدد كبير من الضباط والسفراء والوزراء ورؤساء الوزارات، وكنت أتمنى لو يتسع المجال لذكر اسمائهم لحثهم على قراءة المذكرات. وليس في نهاية الكتاب جدول بالأسماء وأرقام الصفحات.
لم يكشف صاحب المذكرات سراً مثيراً بالرغم من خبرته العملية الطويلة باستثناء ما ذكره من أن المخابرات الأردنية علمت بخطة مصر وسوريا لشن حرب مباغته على إسرائيل لتحرير أراضيها المحتلة قبل أسبوعين من بدء الحرب، أما ما ذكره عن أن قلب مشهور حديثة الذي كان رئيس هيئة الأركان مع الفدائيين وليس مع الجيش، مما استوجب تجميده في بيته عند انطلاق أحداث أيلول 1970، مما لا يفاجئ أحداً.
لم يشأ أبو طالب أن ينهي مذكراته دون أن يلخص ما تعلمه من خدماته في الجيش والسلك الدبلوماسي ومجلس الأعيان وفي هذا خدمة لتراكم الخبرات.
(الرأي)