لوعة الحضور (قلب لا يبالي يعيش طويلا) .. *ناهض الوشاح
19-09-2014 11:23 PM
تجرأت وأحبت ... تمردت وتعلّمت ... تفّتحت كوردة برية وفازت بالشهادة والوظيفة والذبول ... مارست طقوس الحياة كما لو أنها مليكة زمانها... أغدقت الهدايا والحب على من حولها ، حلمت بصيف وارف الظلال وعلّمت من حولها صغارا وكبارا أن الطموح مهما كان كبيرا ... ستنهض حتما كل الأرواح للوصول لهذا الذي يصنع الإنسان ويحدد مصيره .
ودون أن تنتحي مكانا قصيا راهنت بالفوز ... وكانت كالعصفورة الطليقة تُحلق بسماء النجاحات والتقدم والتكريمات ... صفق لها الحضور دون أن تعي بعد ذلك أن لا حضور ولا غياب يمكن له أن يطبع على فمها قبلة في الهزيع الأخير من اليأس تُخبئ كل الأحلام وتتوج هذه الأميرة بظل يصحبها حتى النهايات .
تجملت بالصبر وقالت لا أريد الوصول إلى السماء ... كل ما أريده طفل صغير يهدهدني كي ينام على صدري ويتململ في نومه يتحسس بفمه مكان دفئه ... أضمه وأنام على لهفة تعبي فيغتالني النعاس حتى أصحو من حلمي .
آمنت بما تقرأ وكفرت بالضعف والخذلان ... أحبت صوفيا في عوالمها حتى ظنت أن جوستاف غاردر كان يكتب لها الرسائل ... أدمنت أحلام مستغانمي وعبرت معها في السرير الذي يساوي الشيء الكثير في لغة العاشق وغير العاشق ...
مخالب السنين تحفر الأخاديد على خارطة الجسد والمرايا لا تكذب حين تقف أمامها بكل الخيبات ... تُدرك حينها كم من اللوعة تغمر طريقا لا تعرف إلى أين يأخذك ... ؟
مازالت على قيد الحضور ... تمتلك الكثير لتقدمه ... نقرت البوابة الالكترونية ... توغلت في شبكة العنكبوت . ماذا لو تملكتها روح أنثى العنكبوت ... تمتص رحيق الذكر لتبقى في بيت تنسجه بطريقتها ... ما معنى أن يكون لي ظل رجل ... يمنحني الأمن وأمنحه عالما ضيقا على العنفوان . شيء من هذا القبيل يجعلك تنحني لطيور عمرك المهاجرة صوب المغيب .
لم يختلط عليها الأمر فالعنوسة قاب خطوتين أو اقل نحو صفحة تبحث فيها عن أشياء تمنحها بعض ما تفكر فيه ترددت كثيرا قبل الوصول إلى هذه النقطة المظلمة لكنها تحمل عزاءها دوما على رأس قلبها ..! المكان الأشد ظُلمة يقع تحت المصباح ..! ووجدت ما حلمت به دوما صفحة تحمل اسم جميل وبورتريه لرجل تتلعثم العيون بوصفه ... ودت أن تنتبه وجدت نفسها في كل رسالة يكتبها لها ... تبادل على الهواء للحروف والصور والألوان والزهور والكتب ... عالم مُتخيل يمنحك وجودا يشبه إلى حد كبير ما تحلم به .
أعادت ترتيب نفسها ونثرت عطرها على ما تبقى من وقت للجلوس مع ذلك الرجل الذي تظن فيه أنها صار قدرها ...
تبوح بأسرارها على مائدة صباح أيلولي ... حيث يُذكرها ورق الخريف الأصفر بمدى العطش الذي تشعر به ..هي ليست أكثر من امرأة الآن في حضرة رجل يُطيل التأمل فيها كلما رفع فنجان قهوته إلى فمه . تنزل كلماتها على أصابعها كأنها تعيد ترتيب ما تريد قوله .
وشوشة تستثير بعض التفاصيل ... رحيق الموسيقى يُطفي على المكان رعشات من الحنين ... يتقدم نحوها ماسكا يدها ... يرسم لوحة تشبه لوحات سلفادور دالي ... أحبك بطريقتي ...
مسافة من المتع المسروقة تفصلها لبعض الوقت عن كيانها ... أي لُغز تحمل طريقته ... تبحث محيط قلبها عن كلمة تليق بردم شحوبها وألقه ... وأنا أحبكَ على طريقتي ... زوجا وأبا لأبنائي الذين نحلم بهم .
يُطفئ آخر سيجارة كان يملكها ... ويتقاسم معها عددا لا يُحصى من عشاق عاشوا بعد فراق حبيباتهم ... وأطفال كرهوا آباءهم لأنهم تزوجوا بعد أمهاتهم ... وأنا رجل لا أكره أبي وأحبك أنت .
ما نحمله من حب لا يفصل بين ما نشتهي وما نريد وكل ما أريد أن تكون زوجا لا يفترق عني حتى لو كانت هناك زوجة قبلي ...
وعلى طريقتها باستلام الجوائز سلمت عليه ... وودعته ليدرك كم كان بحاجة لوجودها في حياته منذ ولادته .
وعند مفترق المدينة ... ذهب كل في طريقه ... هي أضاعت قلبها .... وهو أضاع وطنه .