أفضل الطرق في مواجهة الإرهاب
د.رحيل الغرايبة
19-09-2014 03:51 AM
التوقف عن صناعة الإرهاب هو أفضل الطرق وأكثرها فاعلية ونجاحاً في مواجهة الإرهاب والتطرف، لأن الإرهاب والتطرف صناعة الكبار وحرفتهم، وأصبحوا يملكون خبرة واسعة وفناً متقدماً متطورا في استنبات بذور التطرف ورعايتها، وتوفير البيئة المناسبة لنموها وانتشارها ورعايتها والاستثمار فيها وإدارة مواردها.
لا يتفق ما نراه ونشاهده مع قواعد العقل والمنطق، فليس من المعقول أن ثمانية آلاف مقاتل، لا يملكون طائرات ولا صواريخ عابرة للقارات، ولا يملكون أسلحة نوويّة ولا كيماوية ولا بيولوجية، ولا يملكون مصانع ذخيرة، وكل ما يملكونه أسلحة فردية وبعض الآليات التي استولوا عليها من بعض قطاعات الجيش، فكيف يصبح هؤلاء نداً لحلف النيتو، وتحالف دولي كبير، يدار بغرفة عمليات على مستوى العالم، يحوي أكبر العقول العسكرية وأكثر أهل الخبرة في قيادة الجيوش وخوض الحروب، وأموال، وأجهزة تجسس، وإعلام وحشد إعلامي ضخم وقنوات فضائية، وحرب نفسية، واشعال للعالم كله، فالمسألة تستعصي على الفهم، وتستعصي على التحليل، وتصادم أدنى مقومات التفكير البسيط.
ما يجري هو نسخة مكررة ومشابهة لما حدث من فصول سابقة ومواجهات دولية ساخنة اشغلت العالم لسنوات طويلة، وأصبحت سمة بارزة للنظام الدولي الجديد، ويستطيع القارىء أن يقف على مجموعة ملاحظات تستحق الحوار والدراسة، ولا تخفى على ذي بصيرة.
الملاحظة الأولى أن الولايات المتحدة أعلنت عن توقعاتها للحرب القادمة قبل أن يشرف القرن العشرين على الرحيل، وبشرت العالم بأن حرب القرن القادم هي حرب من نوع مختلف، فهي ليست مواجهة بين دول متحاربة، وليست بين جيوش متكافئة، بل ستكون ملاحقة عدو مختلف، يتمثل بأفراد وجماعات وعصابات متفرقة ومتناثرة، ومنتشرة في ثنايا شعوب العالم الثالث، ومن كان أكثر صراحة منهم بالتعبير أشار إلى أن العدو القادم يتمثل بالإسلام السياسي، ومحل الإشارة في هذه النقطة على وجه التحديد، أن هذه التصريحات كانت قبل نشأة القاعدة، وقبل تشكلها وقبل ظهور اسمها أو اسم مؤسسها أو رجالاتها، وقبل استيلاء حركة طالبان على حكم أفغانستان، وفي احدى المرات تم وصف العدو بمحور الشر، المتمثل بثلاث دول تم التصريح بذكر أسمائها، وهي (ايران والعراق وكوريا الشمالية)، ويبدو أن هذه التصريحات جاءت في غمرة البحث المتقصي عن العدو القادم، أو في غمرة التفكير في صناعة العدو وإيجاده، حيث لم يكن موجوداً.
الملاحظة الثانية التي تستحق الاهتمام تتمثل باستراتيجية تضخيم العدو المفترض، واتباع اسلوب النفخ الدائم والمستمرمن أجل احداث مزيد من المساحة المتخيلة في أذهان الناس، ومساحة أوسع في الرأي العام العالمي، وذلك من أجل خلق المبررات لشن الحرب، وإيجاد الانطباعات وتغذية المشاعر وتكبير الاحساس بالخطر لدى الشعوب الغربية أولاً، ولدى شعوب العالم، من أجل إنجاح العمل على الحشد، وتعبئة الرأي العام، الذي يصلح غطاء لشن حروب واحتلال بلدان، وتحريك جيوش وانشاء تحالفات، ويتم الاضطرار أحياناً لافتعال حدث صادم قادر على جلب الأنظار وتحريك العواطف وإثارة بركان من الغضب، كما حدث في أعمال تفجير الأبراج يوم (11) سبتمبر المشهورة في نيويورك.
لقد تم تضخيم الحديث عن الجيش العراقي عام (1990) عقب احتلاله الكويت، وتم تسخير اعلام العالم لبيان قوته وضخامته وتسليحه، وأنه خامس جيش على مستوى العالم، من أجل امتلاك القدرة على حشد العالم، فيما يسمى بالتحالف الثلاثيني لتحرير الكويت وتدمير القوة العراقية، وقد جرى تضخيم القاعدة، وجرى تضخيم ترسانة صدام العسكرية، وتم تزوير التقارير التي تخبر عن مخزون أسلحة كيماوية وبيولوجية لم تكن موجودة، واليوم يجري تضخيم «داعش» بالطريقة نفسها والاستراتيجية نفسها، ويتم الحشد الدولي والاستعداد للحرب العالمية كما تم سابقاً، ولا أستطيع أن أفسر عمليات الذبح التي يتم نشرها على شبكة «اليوتيوب» بطريقة مقززة ومفجعة ومرعبة ومهينة، إلّا من أجل الوصول إلى مستوى الإثارة الذي يصلح لحشد العالم.
ما أود أن أقوله في نهاية المطاف، أن العالم يدار من تجار مصانع الأسلحة وشركات النفط العالمية، وسماسرة الدم والرعب العالمي، وحتى تبقى هذه التجارة رائجة ومستمرة، والمصانع عاملة، لا بد من افتعال حروب عالمية ولا بد من صناعة أعداء يستحقون الحروب، فالعدو مصنوع، والحروب مصطنعة، والمشكلة الكبرى تتجلى بأن العدو المصنوع من بيننا، والحروب على أرضنا، والتمويل من نفطنا، والدماء السائلة من دمائنا، والأثرياء والخبراء والمدراء من خارجنا.
(الدستور)