دبلوماسية ناعمة في محيط صاخب
د. صبري ربيحات
17-09-2014 11:27 PM
في الاردن اليوم عشر نساء يعملن سفيرات لبلدانهن....جئن من كل اصقاع الدنيا...من الفلبين التي تشارك المراة في سوق العمل بمعدلات تفوق الرجال وتشكل قواها العاملة احدى اهم مصادر اقتصادها...
ومن فرنسا التي فاضت على العالم بديمقراطيتها وثورتها التي الهمت كل طالبي الحرية ...من بلد روسو الذي راى ان الطبيعة خير معلم لاميل..ومنتسكسو الذي نبهنا الى روح القانون واهميته عند مطالعة النص..الى لافييت القائد الذي ظل ذكره يلوح في سماء قارات العالم القديم والجديد....فرنسا التي تنفق على الثقافة اكثر من انفاقها على الجيوش والشرطة...من سماء باريس وبلد العطور والنساء والحرية جاءت سفيرة لتمثل ولو رمزيا اهمية الحرية والتحرر التي اتفق عليها الديقوليون والاشتراكيون في البلد الذي يساكن فيها الرئيس زعيمة الحزب السابقة..ومن المجتمع الذي لا يمانع ان تكون وزيرة عدله مهاجرة من الشمال الافريقي ما دامت تحترم مبادي بلد المقصد.
الاتحاد الاوروبي هو الاخر تمثله سفيرة من اصول بولندية فالمراة وتنميتها مفتاح اساسي من مفاتيح نهضة الامم .والامة التي تهمل نصفها امة اصابها الشلل..ولعل في وجودها ما يحرضنا على ان نفسح المجال للمرأة لتاخذ دورها بعيدا عن التمثيل الشكلي الذي تتناسى فيه المراة قضايا جنسها في اللحظة التي تحط فيه في موقع التمثيل مما يخلق وهما بان اللواتي نسين مسوغات وجودهن في المواقع سيحدثن تغييرا في بناء القوة.
النمسا بلد الموسيقى والدانوب وموطن فرويد وليالي الانس في فينا.. بعثت لنا بسفيرة هي الاخرى لتقول لنا بان شستراوس وموزارت قد الهموا اكثر بلدان العالم عراقة و اضافوا الى ألق آل هابسبورغ الذين حكموا زينة بلدان اوروبا واضحت اميرات الاسرة ملكات الاسر العريقة في ارجاء القارة العجوز....منها زوجة نابليون التي طلب اليها ان تنتظره دون ان تستحم لانه اشتاق الى رائحتها فكان اشبه ما يكون بطرفة بن العبد الذي ذكر خولة والرماح نواهل منه فود تقبيلها لانها لمعت كبارق ثغرها المتبسم. اظن ان في وجودها لنا رسالة كبرى.
النرويج بلد المسارات الموازيه.. والمحادثات التي لا تنتهي. بلد السلام المتعثر والانتصار للبيئة والكرامة الانسانية المهدورة اهتمت منذ عشرات السنين بتعداد السكان ونسب الفئات والجماعات واستيعاب الغلابا والمهجرين في بلادنا..جاءت لهذا العالم الهائج بسفيرة امرأة لتقول لنا لقد كان الفايكنج حولنا ومع ذلك استطعنا بالتصنيع والتحضر وتقسيم العمل وحماية الكرامة الانسانية ان نبني وطنا قلما تغيب عنه الشمس ...وقد تغيب عنه ولا نكترث لغيابها.
من البرازيل بلاد الكرنفالات والرقص والقهوة وكرة القدم التي لاتتوقف الاجيال عن التفنن في مراقصتها وركلها وبعد ان نجح بيليه ورفاقه في صناعة مجد تفاخرت به افواج اللاعبين وجماهيرهم اصبحت الكرة مكونا من مكونات هوية الامة التي احبت الحياة والفرح قبل ان تاتي الماكنة الالمانية صيف هذا العام على الارث الذي بني على مدى قرن من الزمان ....سفيرة الدولة التي تغذي مئات الملايين من عشاق القهوة...ومحبو الحياة تفخر ان امتها استطاعت تجاوز عثراتها الاقتصادية واخذت تسارع الخطى نحو اعلى درجات سلم الدول الاغنى والاكثر تاثيرا في عالم تحفه المخاطر وتعترضه عقبات المنافسة.
وكما البرازيل اختارت الارجنتين التي تلتقي مع العروبة في المطالبة بالعدل والكرم وحب الخيول التي حرصت على تربيتها ورياضاتها...ففي الارجنتين من الخصب والوفرة ما يجعلها احدى اهم مصادر الغذاء والخلق والنزاهة وربما من اكثرها انحيازا للعدل.
من بين بلداننا العربية ارسل ورثة الامبراطورية الفينيقية بسفيرتين من بيروت وقرطاج ليمثلن بلاد الفن والمجد والمغامرة.. فلطالما حملت لطيفة التونسية كما فيروز روح الحب وشدت به على ادراج بعلبك وساحات قرطاج ففي لبنان مثل تونس هناك كبرياء سعيد عقل وعنفوانه الذي لم يخبو بعد مائة حول وهويحاور ابا القاسم الشابي ودعواته للحياة وعشقها الذي يرى ان ارادتها تستوجب انحياز القدر.
في الاشهر الاخيرة لحقت الولايات المتحدة بقطار الدول التي تبنت دبلوماسية ناعمة في بلدنا الذي تغنى بالامن الناعم حتى اصبح كل شىء فيه ناعما .. فارسلت لنا الدبلوماسية الشابة اليس الن التي نجحت في تأصيل نفسها في المكان والتقرب من الاردنيين بعد ان اعلنت انها عاشت في البلد الذي سيشكل محطة عملها الدبلوماسي حيث تدرب والدها مع ضباطنا في معسكرات الزرقاء...واظهرت شغفا بالثقافة الاردنية وتقديرا لمفرداتها المكانية والغذائية فتناولت الشاورما في الشارع.. وتجولت في الرينبو الشعبي.. وزارت بيوت الساسة المحافظين في لباس ليبرالي... وجلست مع الصحفيين وكتاب الوحي.
اخر القادمات للاستمتاع بما تبقى من سحر الشرق السفيرة الاسرائيلية التي جرت تسميتها وتتهيأ لتسلم مهام موقعها في البلد الذي يغلي على نار هادئة ويبرد بسرعة البرق....
السؤال المحير لي وللكثير من المراقبين يتعلق بما يمكن ان يكون قد حفز العالم لارسال سفيرات لبلادنا ....اهو حديثنا الناعم ؟ ام امننا الناعم؟....هل هو استضافتنا لملايين اللاجئين الذي جعلنا نتبارى مع الامم المتحدة وهيئات اغاثتها.....ام سحر خاص لا يعرفه الا من اطل عليه......