بني حسن .. مائة عام من الولاء، ومائة عام من الغياب!!
د. مخلد الزيودي
14-09-2014 04:46 PM
في زمن الدولة العثمانية و ضمن سياسة الإصلاحات الإدارية تم ترميم خمسة وثلاثون خربة وقرية ضمن أراضي بني حسن لتشجيعهم على الاستقرار والحد من هجمات البدو على مصالح الدولة العثمانية، وبذلك استمالت شيوخ ووجهاء بني حسن وقربتهم من الباب العالي و نجح مشروع الدولة في التوطين المبكّر لقبيلة بني حسن. مع بدء مجريات الثورة العربية ضد العثمانيين شكلت تجمعات بني حسن بوابة الدخول إلى دمشق وهذا ما أزعج قائد الثورة العسكري (لورانس) لمعرفته المسبقة بموقف بني حسن من الثورة إلا انه استفاد من ترحال بني حسن مع مواشيهم في فترة الصيف إلى شمال فلسطين وجنوب لبنان كموسم سنوي لهذه القبيلة فاختار الأزرق طريق التفافي وبديل لدخول دمشق. مع تأسيس الدولة الأردنية الحديثة أعلنت قبيلة بني حسن ولاءها كبقية مكونات الشعب الأردني للدولة الجديدة، و وقفت ضد أول انقلاب عسكري على الأمير عبد الله المؤسس الذي تبناه حلف البلقاء بقيادة ماجد العدوان بالرغم أن قبيلة بني حسن مكون أساسي من مكونات الحلف. بالرغم من ذلك تم تغييب بني حسن عن أي دور سياسي يذكر منذ تأسيس الأمارة حتى أحداث الجبل الأبيض عام 1984 ولم يسمح لهم بدخول الجيش العربي إلا في وقت متأخر وبالرغم من ذلك بقى ولاءهم كامل وغير منقوص للدولة الأردنية منذ تأسيسها إلى ألان وساهموا في بناءها وحافظوا على مقدراتها ومنجزاتها.
اليوم، ونحن على مشارف المئوية الثانية من عمر الدولة وفي ظل إعادة بناء و تشكيل الدولة الأردنية نتيجة لثورات الشعوب العربية وإطاحتها بالأنظمة المستبدة تقف قبيلة بني حسن على مفترق طرق، من حيث الجغرافيا، تشكل حاجز ما بين شمال الأردن وجنوب سوريا و بين وسط الأردن وجنوبه، ومن حيث التعداد السكاني تشكل زخم بشري كبير يتداخل مع زخم بشري طارئ قادم من سوريا في تزايد مستمر والخطر قائم من زيادة عدد النازحين من شمال وغرب العراق، سياسيا وهو الأهم لا زالت بني حسن تشكل حضور متواضع وخجول في المشهد السياسي الأردني بالرغم من ادعاءات نسبة تمثيلهم في السلطة التشريعية بشقيها.
الملفت للنظر، إن غياب بني حسن الواضح في المشهد السياسي على وجه الخصوص غياب ممنهج تم تبنيه من صنّاع القرار على مر العقود الماضية بالرغم محاولات النخب الشبابية من أبناء بني حسن لتأسيس تيارات فكرية وسياسية بعيدة كل البعد عن القبلية وكانت تعلن في أدبياتها الولاء للدولة وقدمت أفكار ومشاريع وطنيه ناضجة للنهوض بالوطن وبكافة مكوناته وبالتشارك مع أبناء الوطن الواحد وانخرط كثير من أبناء بني حسن في الأحزاب والتنظيمات السياسية حتى المسلح منها وحاربوا في فلسطين وبيروت وتونس وغيرها إلى جانب صفوف المقاومة الفلسطينية.
لم تلتفت الدولة إلى هذه النماذج من أبناء بني حسن إلا مكرهة على ذلك. وبالرغم من بروز (أبو مصعب ألزرقاوي الخلايله) ابن قبيلة بني حسن من احد أحياء الزرقاء المهمشة ليؤسس مشروع الدولة الإسلامية في العراق الذي يدفع ثمنه العالم الآن بشكل عام وشعوب المنطقة بشكل خاص. إلا إن صنّاع القرار تعاملوا مع ظاهرة (ألزرقاوي) بوصفه ابن قبيلة أردنية خرجت عن جادة الطريق ولم تحسن تربية أبناءها فكان (ألزرقاوي) وزر على القبيلة، وكان الأولى أن تعيد الدولة مراجعة ملفاتها وحساباتها اتجاه هذه القبيلة.لا بل تمادى صنّاع القرار وحالوا توريط قبيلة بني حسن لمواجهة الأخوان المسلمين في المفرق وسلحوب عندما عجزت الدولة عن مواجهة الإسلاميين عندما قدموا استعراضهم العسكري الشهير وسط العاصمة عمان!! وتمادى المتربصون بالوطن من أجهزة الدولة الأردنية بتحريض عشائر الأردن ومن ضمنها قبيلة بني حسن ضد الحراك الشعبي الأردني بمختلف ألوانه، ليعلن صنّاع القرار إحصائية جديدة (مفبركة) وخاصة ببني حسن حيث اكتمل تعدادهم مليون مواطن (قبيلة المليون) - في حين إن تمثيلهم السياسي في السلطة التنفيذية حقيبة واحدة!- ولم ينخدع أبناء بني حسن بهذا التهويل وكانت حكمتهم اكبر وابعد من عبث صنّاع القرار فتجنبوا المواجهة مع الإسلاميين وغيرهم من أبناء الوطن، مدركين إن ما حدث هو فخ ولعبة مكشوفة.
في ظل ما جرى ويجري هل سيكون دور بني حسن السياسي كقبيلة أردنية نذرت نفسها لخدمة الأردن عبر مائة عام من عمر الدولة – دور الشخصية الشريرة في المشهد السياسي الأردني الجديد؟ أو الدرع الذي يلبسه المحارب الجبان في مواجهة محارب شرس؟ وبعد انتهاء المواجهة يركن في زوايا النسيان والإهمال ؟ أرى أن المطلوب من قبيلة بني حسن اليوم – وبقية قبائل الأردن - وبعيد عن القبلية أن يكون لهم دور واضح ومكتمل في مشروع إعادة بناء الدولة الأردنية الحديثة لمائة عام القادمة بوصفهم مكون عريق من مكونات الشعب الأردني، وبوصفهم مرجعية لا يمكن تجاوزها،وبوصفهم شركاء في الحكم. لا بوصفهم قوات تدخل سريع عندما تفشل الدولة في مواجهة خصومها وبالتالي هم وغيرهم من الأردنيون ليسوا مرتزقة يتم من خلالهم تأديب الخارجين على القانون ولا بوصفهم رأس حربة ضد أبناء وطنهم ولا بوصفهم بوق لتيارات دينية متطرفة اسّتعدت العالم باسم الدين. وبالتالي لا يمكن أن يعطى لهم دور في مرحلة إعادة بناء الدولة الحديثة إلا من خلال حضور نوعي للنخبة من أبناء القبيلة تفرض حضورها مع بقية مكونات الشعب الأردني من خلال تقديم رؤية واضحة في مختلف المجالات. المطلوب من النخب في قبيلة بني حسن أن تحجز مقاعد لها و للأجيال القادمة في قطار إعادة بناء الدولة وان تكسب الوقت قبل أن يعلن قائد القطار النداء الأخير لرحلة مائة عام جديدة، وإلا، سنبقى في محطة النسيان الممنهج ننتظر عودة قطار الزمن لنغيب مائة عام أخرى وتلعن الأجيال بعضها البعض.