facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




امل المشايخ .. عاطف الفراية وأنا ..


14-09-2014 12:37 PM

عمون - خاص - حاورتها يارا عويس - كما عوَّدتكم عمّون أنْ تكونَ الحاضرةَ دائماً في الفرحِ والتَّرحِ تشاركُ الأردنيين عبرَ المكانِ والزَّمان مناسباتِهم، فكيفَ بنا ونحنُ نتتبعُ ذكرى أحدِ كتّابِ عمونَ الاوائل – ونحن نشارف على الذِّكرى السَّنوية الأولى لرحيله - إنَّه الشاعر والكاتب الأردني الراحل عاطف الفراية.

الطَّريق منْ امارةِ رأس الخيمة الى الشَّارقة تقارب - زمنياً - أربعين دقيقة، ولكنَّها هذه المرة كادت أنْ تتجاوز الساعتين منَ الزَّمن، إنَّه هولُ المُصاب؛ إذْ فارقَ الفرايةُ الحياةَ وهو خارجَ وطنِه الأردن. إلا أنَّ هذه المرارةَ سرعانَ ما تحوَّلتْ إلى لقاءٍ ثقافيٍّ شاملٍ ومؤثِّرمع زوجتِه الكاتبةِ والتَّربوية أمل المشايخ التي أرى فيها مثالاً في حفاظها على الإرثِ الأدبيِّ الخاصِّ بزوجها الرّاحل، وأنموذجاً يُحتذى في وفائِها وإخلاصها تؤنسها أوراقه وأشعاره في زمن الغياب.
الأديبة الكاتبة أمل عطاالله المشايخ فازت بجائزة الشارقة للإبداع لدورتها السَّادسة عام 2002 عن المرتبة الثَّانية في حقل مسرح الطِّفل عنْ مسرحيتها (بيتِ الأسماك)، كما وفازت بجائزةِ إربد عاصمة الثَّقافة في الأردن عام 2010 في حقل مسرح الطفل عن مسرحيتها (حقول الخس والجزر)- التي ستؤدى عملاَ في مهرجان الطفل في عمان هذا الشَّهر- ولها عددٌ من القصصِ والمقالات في النَّقد الأدبي وموضوعاتٍ أخرى، جاء كثير منها في زاوية ( شرفة أمل) في أحد مواقع الشَّبكة العنكبوتيَّة، كما وصدر لها دراسةٌ نقدية بعنوان (أبو هلال العسكري ناقداً) عنْ وزارة الثَّقافة والشَّباب في الأردن.
تحمل المشايخ درجة الماجستير في النَّقد الأدبيّ من الجامعة الأردنية، وتعمل حالياً معلمةً للغةِ العربيَّة والتربيةِ الإسلاميَّةِ للطلبة الأجانبِ في مدرسة فكتوريا الدَّوليَّة في الشَّارقة.

عمون: أمل المشايخ، هلْ لكِ أنْ تحدثينا عنْ بداياتِك الأدبيَّةِ كيف، ومتى كانتْ؟
تعودُ بدايتي في الكتابة إلى نهاية المرحلة الابتدائيَّة حين نشرتُ قصةَ في مجلة سامر للأطفال، توالتْ بعد ذلك المحاولاتُ الكتابيَّة التي نُشر بعضها في صفحات القرَّاء في الصُّحف الأردنية، ولي تجربةٌ أفخر بها؛ إذ كان لها أكبر الأثر في حياتي حين كنت أراسل برنامج (أقلام واعدة) في الإذاعة الأردنيَّة الذي كان يقدِّمه الإعلامي والأديب محمد الخشمان رحمه الله، وفي الجامعة الأردنيَّة عملتُ في الصَّحافة الجامعيَّة في جريدة (صوت الطَّلبة) ومجلة (أنباءِ الجامعة) كنتُ أنشر خلالها القصةَ القصيرةَ والمقالةَ والخاطرةَ والمقابلاتِ والتَّحقيقاتِ الصَّحفيةَ.

عمون: إذن الكتابة لدى أمل المشايخ هي مسيرةُ عمر، ففي ظل تنوُّع وتباين الأجناس الأدبية، أين وجدت أمل ذاتها، وأيُّ جنسٍ أدبيٍّ يمثلك أكثر من غيره؟
أكتب المسرحية للطفل، وأكتبُ القصَّةَ القصيرةَ جداً والقراءات النَّقدية، وقبل ذلك وبعده أحب المقال على اختلاف أنواعه ففيه فسحة للرُّوح والعقلِ والقلب، بوسعك القول إنني كاتبة للصِّغار بحكم الإنجاز والعمل فأنا تربويَّة عملت في عدد من المدارس في المملكة الأردنية ودولة الإمارات، ولي مسرحيتان للأطفال، كما بوسعك القول إنَّني ناقدةٌ أدبية بحكم التَّخصص فقد حصلت على درجة الماجستير في النَّقد الأدبي من الجامعة الأردنية ولي كتابٌ في النَّقد إضافةً إلى عددٍ من المقالاتِ والمحاضرات في الحقلِ ذاتِه.

عمون:كونك كاتبةً أردنيةً مقيمةً في الإمارات، ماذا تأخذ الغربة من المبدع؟ وماذا تضيفُ له؟
في دولة كالإمارات العربيَّة المتَّحدة تعدُّ الغربةُ ثراءً بكافَّة أطيافِها وعلى كلِّ الصُّعد، ويبدو ذلك أكثرَ ثراءً للكاتب حيثُ الأمسياتُ الشِّعريةُ والقصصيَّة والثَّقافيَّة ومعارض الكتب والنَّدوات والمؤتمرات والمسابقات.. كل ذلك يثري المشهد الثَّقافي ويثري تجربة الكاتب.
ماذا تأخذ منه: تأخذ منه التَّواجد في مناسبات الوطن ومشاهده المختلفة... مؤلم أنْ تكون متواجداً في المشهد الثَّقافي خارج الوطن أكثر بكثير من وجودِك داخلَه لأنَّك مغترب، ولأسبابٍ أخرى حيث الحنين سمةٌ تطبعُ كلَّ شيءٍ.. كلَّ شيء.

عمون: الوظيفة تأخذ من المبدع وقد تضيف له، كونك معلمة للغة العربية تؤسسين أجيالاً، ماذا أخذ منك العمل، وماذا أضاف إلى تجربتك الإبداعية؟
رتابة الوظيفة تجعل العمل منْصبَّاً على التَّفاصيل اليوميَّة، ومتطلَّباتِ الوظيفة التي لا علاقة لها بالإبداع بالضَّرورة، ولكنْ حينَ نكتب للصِّغار فإنَّ تعليمهم ومحاورتهم حين يبكون ويشكون ويشاكسون فإنَّ ذلك يعطينا مادةً وثراءً للكتابة، فمن أسئلتهم وحيرتهم تتكون الأفكار: هذا ما كان في (بيت الأسماك) و(حقول الخسّ والجزر) ومسرحيَّة ثالثة أقوم بكتابتها الآن.


عمون: ما هي طقوس القراءةِ والكتابةِ لدى أمل المشايخ؟
ليس ثمَّة طقوسٌ تُذكر، ولكنَّها الفكرة تلحُّ عليَّ فأدوِّنها وأتركها مدةً تطولُ أو تقصر حتى تنضج وأشعر أنَّها تستحقُ الكتابة، بعضها بقي أفكاراً مقطَّعة على هيئة شذراتٍ لم يكتبْ لها الاكتمال .. وعلى أيَّة حال فالإجازات - طويلها وقصيرها- تعدُّ فرصةً غنيَّة للكتابة ، أما القراءة فاحرص أن يكونَ لها حظٌّ من يومي وإنْ كان قليلاً، وفي زمن النِّت أصبح الكتابُ الإلكترونيُّ يفرضُ نفسه، أريد أنْ أصل إلى القول إنَّ الكمبيوتر دخلَ في طقوس القراءة والكتابة أيضاً وهي نعمة كانت أمنيةً أو حلماً قبل سنوات.

عمون:القراءةُ سلاح الكاتب: لمن تقرأين، ومن هو الكاتب الذي تعتبرينه قدوةً لك؟
في طفولتي – كالكثيرين من أبناء جيلي - قرأت المكتبة الخضراء، وسلاسل السِّير الشَّعبية كتغريبة بني هلال وسيرة سيف بن ذي يزن، وقرأت ألف ليلة وليلة وعدداً من مسرحيات شكسبير وأخصُّ بالذِّكر (مكبث) و (الملك لير)، وقرأتُ مجلة (العربي) جنباً إلى جنب مع مجلات الأطفال، ولي مع (العربي) ذكرياتٌ، ولي مع القراءة ذكرياتٌ وحكايا في ليالي وشتاءات عمَّان البعيدة التي أدين لها بالكثير؛ إذ كانت السَّاعات المخصَّصة للقراءة أكثر بكثير ممَّا أجد اليوم.
وقرأت جبران أعماله الكاملة: العربيَّة والمعرَّبة، والمنفلوظي (نظراته وعبراته)، وأعماله المعرَّبة: (ماجدولين) و(الفضيلة)، إضافة إلى روايات إجاثا كريستي التي كانت شائعة بين أبناء جيلي ... كلُّ ذلك شكَّل نواةً وحصيلةً ثقافيةً ومعرفيةً أدين لها اليوم، وما تبقى لي من العمر.
بعد ذلك اتَّجهتُ لقراءة الرِّواية فقرأت للكتَّاب العرب: فكانت (زقاق المَدقّ) لنجيب محفوظ، و(الشَّارع الجديد) لمحمد عبدالحميد جودة السَّحار، و(الوسادة الخالية) لإحسان عبدالقدوس من بواكير الأعمال الأدبيَّة التي قرأت، لأنطلق بعدها إلى المترجم من الرِّواية فقرأت شيئاً لدوستويفسكي وتولستوي وبعدهما فكتور هيجو ثمَّ في مرحلةٍ لاحقةٍ قرأت لماركيز وميلان كونديرا وباولو كويللو إضافة إلى عددٍ كبيرٍ من الرِّوايات الحديثة والكتب في المعارف الإنسانية المختلفة، مع تركيز خاص على حقل التربية والتعليم، وقائمة طويلة أدرجتها بانتظار القراءة الآن، وما زالت لي سُنَّةٌ حميدة ابتدعتها مذْ كنت صغيرةً تلك أَّنَّني أشارك الصَّديقات وأتبادل معهن ما أقرأ..هذا بالإضافة إلى متابعةِ بعض المجلَّات والصُّحف اليوميَّة، وصفحات عددٍ من الكتَّاب على مواقع التواصل الاجتماعيّ الذين أحرص على قراءة أعمدتهم اليوميَّة أو الأسبوعيَّة.

عمون: بماذا تعرّفُ أمل الثَّقافةَ، وما هو السَّبب باعتقادك وراءَ أزمة الثَّقافة العربيَّة؟

الثَّقافةُ منهجُ حياةٍ، وأسلوبُ عيْشٍ، هي طريقتك في التَّعاطي مع النَّاس ومع ذاتك في فكرك وإحساسِك، بلْ في نومك ونظامِ طعامك.. هي سَمْتُ الحياة، هي الفكرةُ إذْ تكون مبدأ ومعتقداً يُلزمُك بحيثُ يجعُلك أنتَ لا سواك......
أما سببُ الأزمةِ فيقفُ وراءَه عواملُ منْ أهمِّها ذاك الشَّرخ الواضح بينَ ما يقولُه المثقَّف وما يفعله؛ إنَّها أزمة قِيَمٍ قبلَ كلِّ شيءٍ... وإذا كانَ مفهومُ الثقافةِ يرتبط في كثيرٍ من الأحيان بقيمِ العدالة والدِّيمقراطية وحقوقِ الإنسانِ فأين المثقفُ العربيُّ منْ ذلكَ كلِّه؟ .. وإذا كانت الثقافةُ نتاجَ المجتمعِ وليسَ العكس فكيفَ للمجتمعاتِ العربيةِ الغارقةِ في التَّناقض فكرياً واجتماعياً أنْ تنتجَ ثقافةً عربيةً إسلاميةً منسجمةً مع ذاتها (انظري مثلاً المهرجانات المختلفة التي يعلن عنها هنا وهناك ما علاقتها بالإسلام أو العروبة؟)... المفكِّر المغربيُّ المهدي المنجرة الذي رحل قبل أشهر قليلة - رحمه الله- قال يوماً: " إذا أردتَ أنْ تجدَ الخللَ فابحثْ عَمَّنْ يشجِّع البشاعة." فالمُثقَّف حامٍ لقيم الخيرِ والجمال - هكذا يفترض- فكيفَ يناصرُ الظُّلم؟ الرَّبيع العربيَّ نموذجاً حينَ أُجهضت الثوراتُ بعدَ أنْ أصبحت الشُّعوبُ العربيَّة قاب قوسين أو أدنى مِن الحريَّة.
كلُّ ثقافةٍ لا يكونُ محورها الإنسان لا يعوَّل عليها، وهو ما لا نشاهده عبر الثَّورة الرقمية التي كان من أهم إفرازاتها العولمة فكنَّا فيها الطَّرف المُستقبل بامتياز لكلِّ قيم الاستهلاك، فالهويَّة في ضياع أو تكاد، وتراجع دور اللغة العربيَّة - اللغة التي هي محورُ هويَّةِ أيِّ أمةٍ، وعنوانُ ثقافتِها شاهدٌ ودليلٌ.. يقف وراء ذلك إعلامٌ تراجعَ لصالحِ الإعلان بل باعَ نفسَه له.
يُضاف إلى ذلك أو ينطلق منه أنَّ الثَّقافةَ أصبحتْ تُقاس بالشَّهادات التي لا يُعدُّ حاملُها مثقَّفاً بالضَّرورة.... وليس معنى ذلك أنَّ الأزمةَ - مجتمعةً - نتاجُ العصرِ الرَّاهن وحسبْ، بل تمتد في عمق التُّراث الذي ينبغي دراستُه منْ جديدٍ، ومناقشةُ الكثيرِ ممَّا باتَ مُسلَّما أو كما يُقال: "الفصل بين الدِّين والتَّاريخ، والدِّيني والدُنيوي والمقدَّس والمدَنَّس".
وحتى لا أطيل في تشخيص الأزمة فلا بدَّ من عودة إلى التَّربية والتَّعليم، وإعادة بناءٍ للمناهج فهي الخطوة العمليَّة الأولى التي تمكِّننا من بناء القيم والأخلاق - أصل الحضارة - ثمَّ يلزمنا كمٌّ كبيرٌ من الوعيِ والحبِّ للعودة إلى ثقافةٍ عربيَّةٍ تظهرُنا بشخصيةٍ واضحةِ بين الأمم، وعندنا حضارةٌ ضاربةُ الجذور في عمقٍ يطالُ نحواً من ألفٍ وخمسمئة عامٍ.


عمون:الحركةُ النَّقدية الأردنية هل ترينها تسير في اتِّجاهها الصَّحيح، وهل يأخذ النِّتاج الأدبي حقه في النَّقد، من وجهة نظرك؟
لا أدري سيدتي هل نفتح جرحاً أم ناراً حين نطرح سؤالاً ذا شجون كهذا؛ فماذا أشكوعند الحديث عن النَّقد؟ هل أشكو الشِّللية النَّقدية حينَ يحكمُ الحزبُ والمصالحُ المشتركة التي تُسيِّر الملاحقَ الثَّقافيَّة والأعمدة؟ أم أشكو الدَّرس النَّقدي في الجامعات الذي ما زال يشكو قصوراً؟
لا، لا تسير الحركة النَّقدية الأردنية في اتِّجاهها الصَّحيح، ذاك ردٌّ مباشرٌ عن سؤالٍ يتناول نقداً يُهمَّش فيه كاتبٌ يفوزُ بجائزةٍ عالميةٍ، بينما تتسابق محطاتنا لاستضافة دخلاء على الحركة الأدبية والثَّقافية، والأمثلةُ واضحةٌ يعرفها المقيمون داخل الوطن أكثرَ منّي، وهي أمثلةٌ يتصدَّر فيها الإعلامُ مُصادِرَا دورَ النَّقد الأكاديميّ حين يتصدَّى للحديث مذيعٌ او مذيعةٌ ليسا من أهل الاختصاص.
ثمَّة مهمَّاتٌ تقع على عاتق الحركة النَّقدية في الأردن وغيره تتلخَّصُ في متابعة ما يصدر من أعمال ومتابعة المواهب الشَّابة، وهذه الأخيرة تحديداً لا تلقى إلا محاولاتٍ وأنشطةً قليلةً تظهر على استحياءٍ، وتعود في معظمها لأسبابٍ موضوعيةٍ منها كثافةُ ما يصدر من أعمالٍ أدبيةٍ مقارنةً بعدد النُّقاد ووقتهم... النُّقاد الذين هم في معظمهم أساتذةٌ جامعيون لجيلٍ تربَّى على مناهج تلقينية تُربِّي (الحافظة) وليس الذَّائقة، فأصبح التَّعليم الجامعيّ في كثيرٍ من تفاصيله أشبه بالمدرسيّ - مع اختلاف الفئة العمرية - ذاك ما أقصده حين أشير إلى قصور الدَّرس النَّقديّ في الجامعات.
لا بدَّ من لجانٍ وجوائز أدبيَّة ومؤتمراتٍ نقديَّةٍ جادَّة - وبعضها موجودٌ فعلاً- لمتابعة الأعمال الأدبيَّة بمقاييسَ أدبيةٍ وفنيةٍ عالية، وربما يمتدُّ طموحي - أو لعله حلمي - إلى إنشاء أكاديميةٍ نقديةٍ على غرار الأكاديميات الموسيقيَّة والمسرحيَّة؛ لنردمَ تلك الثغرة، وذاك التَّوجُّس بين المبدعِ والناَّقد، وذلك لا يتحقَّق إلا حين يحكمُ الإبداعُ الذي يؤازره قرارٌ سياسيٌّ يُؤمِّنُ له الدَّعمُ المعنويُّ والماديُّ منْ خلالِ الميزانياتِ التي تضمنُ له جديَّته وأسبابَ بقائه.

عمون: دعينا نقف قليلاً لحظاتِ صمتٍ على روح المبدع الرَّاحل شريكِ عمرك ودربك الشَّاعر عاطف الفرايَّة، ثمَّ حدِّثينا: كنتِ قدْ قلتِ فيما سبق: إن عاطف كان يخاف أنْ يفقدك ففقدتِه.
فيما بين هذه الكلمات عاطفةٌ جيَّاشة بين أديبين عاشا 21 عاماً معاً، ماذا تحدثينا عنْ رحلةِ عمركِ مع الرَّاحل الفرايَّة رحمه الله؟
نعم، قالت له الصَّديقة د. سهير التل – قبل رحيله بأيامٍ – مازحةً: "حين تتحدَّث أراك تنظر إلى أمل، هل تخافها؟ قال: لا، لا أخافها، ولكنْ أخاف أنْ أفقدها"....
لم ينفصلْ عاطف الإنسان عن عاطف الشَّاعر: كنت أراه في كلِّ التَّفاصيل، وامتدَّ في حياتي نحوَ ربع قرنٍ هي ذكرياتٌ بحجم كون.
كان عاطف زوجاً وصديقاً برتبة إنسانٍ ما أخطا إلا اعتذر، وما دخل البيت أو غادره إلا أشاع الدفْ فيما حوله... كنَّا صديقين؛ إذْ كانتْ لغة الحوار بيننا لا تنقطعُ في صغيرِ الأمورِ وكبيرها، لم نسمحْ بالخصام - وإنْ اختلفنا – هكذا كنَّا... قلت يوماً إنَّني أتَّفق مع الرَّأي القائل: " إنَّ الزَّواج يجعلُ من العالَمِ أقلَّ غربةً"، أما عاطف فكتبَ عن الزَّواج يوماً يقول:
"الزَّواج هو رأي الكون في معنى النُّبل، ومهد القيم النبيلة، وصقل النِّساء والرِّجال معاً، الزَّواج هو الخيط اللاظم بين الحياة وطعمها الحقيقيّ، وحبل الوصل بينك وبين الشَّمس بعد غروبها، هو مختبر المشاعر، والتَّوحد في الآخر حين يستفيق الإنسان على إنسانيته.... الزَّواج هو أنْ يكون لك منْ يسمعك دون أنْ تنطق، ويراك قبل أنْ تصل، ويسمع نشيج قلبك حتى عندما تسيطرُ على عينيك قبل الدَّمع، الزَّواج هو أنْ تجد كتفاً تلقي عليه جبهتك حين تحتاج قلباً بجوار رأسك إنْ أثقله همٌّ أو نهشته محنة، ..... إنَّه تأثيث الفرح في فوضى الحزن الذي يجتاح العالم. إنَّه مطلق الجمال المجسَّد في روحٍ وزِّعت على جسدين."


عمون: وقوفاً عند ألم الذِّكريات ..عندما يجتمع كاتبان في بيتٍ واحدٍ، هلْ لكِ أنْ تحدثينا عنْ أجواء الحوار التي كانت تجمعكُما؟ والتي تفتقدينها الآن؟
عاطف الفرايَّة وأنا: كانت الطَّاولة هي القاضي والحكمُ بيننا؛ إذ كانتْ شاهدةً على ما نقرأ منْ أعمالٍ أدبيةٍ ومقالاتٍ منْ مختاراتنا، أو حينَ كانَ عاطف يكتبُ نصَّاً يقرأه لي قبل النَّشر، نتحاورُ في هذه المفردة او تلك، وحين كان أحدُنا يكتب مقالاً كانَ يقرأه للآخر يستشيره في الفكرةِ أو المقدمةِ أو الخاتمةِ، وكذا الحال حين يكون عند أحدنا أمسية أو محاضرة كنا نقوم بعمل (بروفه) نستمع فيها إلى بعضنا... وعلى طاولتنا ولدت شخصية (عزيزة سليمان) نصه الفائز بالجائزة الأولى في المسابقة الدولية لنصوص المونودراما (النسخة العربيَّة) التي نظمتها هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام سنة 2013. .... بعض الرِّوايات قرأناها سويةً مثل (قواعد العشق الأربعون) لأليف شافاق في رمضان قبل الماضي.
ماذا أفتقد؟ أفتقد ذلك كلَّه... لذا قرَّرت منذ رحيله ألا أحسب الخسارات؛ لأنَّه لا حدَّ لها، بل أحتسبه عند الذي خلقَ الموتَ والحياة في عالمه الأجملِ والأرحبِ.


عمون: وفاء منك للرَّاحل قلتِ فيما سبقَ إنك ستجمعين نتاجه كاملاً وتطبعينه ليرى النُّور، وهذا الحمل كونك كاتبةً كفيلٌ بأنْ تعطيه حقه، وسؤالي: ماذا تركَ الشَّاعر والكاتب الفرايَّة كإرثٍ شعريٍّ ونثريٍّ بشكلٍ عام، وهل ستدمجين الأعمال الشِّعرية بالنَّثرية ضمن الأعمال الكاملة؟

بين يدي جداريَّة (قصيدة طويلة) لعاطف قام ناقدٌ أكاديميٌّ معروف بكتابةِ مقدمةٍ نقديةٍ لها، وسأكتب أنا قراءةً أخرى بين يديها لترى النُّور قريباً هذا العام، ذاك سيكونُ العملَ الأوَّلَ الذي سيُنشر بعد رحيله بإذن الله تعالى.
أما مقالاته السَّاخرة على لسان الشَّخصية التي ابتدعها عاطف (خميس بن جمعة) - وقد ولدت بالمناسبة على صفحات عمون التي نُشر فيها لعاطف ما يزيد عن مئتي مقال- فسأجمعها في كتابٍ واحد.
وثمَّة مقطَّعات شعرية ونثرية لم تنشرْ بعد، ربَّما يضمُّها كتابٌ في عملٍ لاحقٍ.
مسرحياتُه قام بنشرها قبل عامين، وحين تنفد الطَّبعة سأقوم بنشر الأعمال المسرحية الكاملة لعاطف أما مسرحيته (البحث عن عزيزة سليمان) فقد نشرتْها هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام مع المسرحيات الفائزة، ولا بدَّ أنْ تنشر يوماً في عملٍ مستقلٍ مع ترجمتها الإنجليزية التي تولتها هيئةُ الجائزة.

عمون: أمل المشايخ كاتبة أردنية مقيمة في الإمارات هل من كلمة أخيرة توجهينها للمثقَّف العربيّ بشكلٍ عام، والأردنيّ بشكلٍ خاصٍّ؟ وما هي أحلامك القادمة؟

للمثقَّف العربيّ أقول: أتمنى أنْ تكون على قدر التَّحدي الذي تحمله المرحلة؛ فنحنُ في زمن الفتن التي تشبه (قطع الليل) والتي (تترك الحليم حيران)، لكن لا بدَّ منْ منهجٍ فكريٍّ صحيحٍ ، وقاعدةٍ ثابتةٍ تقف عليها بعيداً عن التَّلون والتَّماهي في نظرياتٍ مستوردةٍ تصلح لبيئاتٍ انطلقت منها، ولا تصلح لنا .... وأخص هنا النُّقاد والتَّربويين؛ لأنَّه على عاتقهم يقع عبءٌ ثقيلٌ، وللمثقف الأردنيِّ أقول: الأردن بموقعه وتاريخه لا ينفصلُ عمَّا يجري في الوطن العربي الكبير، أتمنى أنْ يحكمنا الوعيُ والخوفُ على مقدَّراتِ الوطنِ وما فيه خيرُه قبلَ أنْ ننقادَ إلى الحزبِ أو العشيرةِ أو الإثنياتِ الضَّيقة... وحمى الله الوطن.
أما أحلامي القادمة فأتمنَّى أنْ أرى الجيل الجديد من أبنائنا حريصاً على لغته العربيَّة ومعتزَّا بها وهذا ما أعمل عليه منْ خلال تعليم اللغة العربيَّة، كلُّ ذلك مشفوعٌ بأخلاقٍ تسبق كلَّ فكرةٍ أو معلومةٍ فتلك الرِّسالة التي لها نذرتُ عمري منذ نحوِ ربعِ قرنٍ.
وعلى صعيد الكتابة أتمنى قريباً أنْ أنتهي من مسرحيتي الجديدةِ للأطفال، وأنْ أنجزَ مجموعتي القصصيَّة.
ولك أستاذة يارا ولعمون أتمنى كلَّ النجاح والتوفيق.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :