وافقت الأغلبية الساحقة لمجلسي النواب والأعيان، في الجلسة التي خصصت لمناقشة قانون التقاعد المدني الذي كان مختلفا عليه بين المجلسين، على منح النواب والأعيان رواتب تقاعدية مدى الحياة.
حكومة سمير الرفاعي في منتصف العام 2010م وقبل انتخاب البرلمان السادس عشر (ومع وضع خطين أحمرين تحت كلمة انتخاب)، كانت قد وضعت القانون المؤقت رقم لسنة 2010، وهو قانون معدل لقانون التقاعد المدني، ويقضي بمنع النواب والأعيان من الحصول على رواتب تقاعدية بعد انتهاء مدة خدمتهم.
الحكومة التي تلت حكومة سمير الرفاعي وهي حكومة فايز الطراونة أعلنت بطلان القانون المؤقت بتاريخ 15-5-2012، بعد رفض مجلس الأمة السادس عشر له، وبعد حل مجلس الأمة السادس عشر صدرت الإرادة الملكية السامية برفض إبطال القانون المؤقت، استنادا إلى الشعور العام الذي ساد المجتمع الأردني والذي رأى في تشريع تقاعد النواب والأعيان مكتسبات تقاعدية ومالية غير عادلة، ولا تراعي الصالح العام، وفيه انحراف عن نهج الإصلاح الذي ينشده الأردنيون.
مجلس النواب الحالي(السابع عشر) وفي الشهر الثاني من العام 2013 صوّت على استفتاء المحكمة الدستورية بشأن الإرادة الملكية الرافضة لبطلان القانون، فأفتت المحكمة الدستورية ببقاء القانون ساري المفعول، الأمر الذي جعل أغلبية النواب تتهم قرار المحكمة بالمسيس.
الحكومة الحالية تقدمت بمشروع قانون جديد عدلت عليه اللجنة القانونية بمجلس النواب ووافق عليه النواب وأرسلوه إلى مجلس الأعيان الذي بدوره رفض بعض التعديلات المضافة على مشروع القانون، وأعاده لمجلس النواب، واليوم وافق أعضاء المجلسين على التعديلات المدخلة على القانون.
مشروع القانون سيرفع للملك للمصادقة عليه، ولجلالته أن يوافق على هذا المشروع، أو أن يلتزم الصمت، فيعتبر القانون نافذا حكما بعد ستة أشهر، أو يرفض المصادقة عليه.
تشريعيا لا يجوز لمجلس الأمة أن يشرع ما من شأنه أن يعد امتيازات شخصية لأعضائه، ووفقا للتقاليد البرلمانية البرلمان يشرع للبرلمان الذي يليه وذلك على قاعدتي: درء تضارب المصالح واستغلال السلطة، مجلس الأمة هنا لم يكتف بالتشريع لنفسه وحسب، وإنما أيضا وافق على منح التقاعد لنواب وأعيان المجلس السابق (السادس عشر) وبأثر رجعي.
هذه الحادثة البرلمانية ستعد سابقة وعلامة فارقة في تاريخ الحياة البرلمانية في الأردن، لعدة أسباب أهمها:
- تجاهل الظروف الاقتصادية التي يعيشها المواطن الأردني غير القادر على تلبية الحد الأدنى من متطلبات المعيشة الكريمة.
- بطلان كل ما تذرعت به الحكومة من أسباب بعد رفضها إقرار علاوة الطبشورة للمعلمين الذين قد يخدم المعلم الواحد منهم ثلاثين عاما ليحصل على تقاعد 300 دينار.
- السير ضد الإرادة الملكية التي رفضت بطلان القانون المؤقت أول مرة، ومحاولة الالتفاف على هذه الإرادة عن طريق المحكمة الدستورية وعن طريق تعديل مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة الحالية.
- المزاج الشعبي المستنكر لهذه الأنانية عند ممثلي الأمة، والأحاديث التي تشيع في الصالونات حول صفقة عقدها البرلمان مع الحكومة لتمرير اتفاقيات الغاز مع إسرائيل وقانون ضريبة الدخل الجديد الذي يناقش الآن في مجلس النواب، والوقوف بوجه إضراب المعلمين.
- إن أي حديث عن الأعباء المالية التي يتحملها النائب أو العين في سبيل وظيفته، وبابه المشرع للمواطنين ذوي الحاجات، حديث ممجوج من قبل المواطن الذي يعرف جيدا حجم الامتيازات التي يحصل عليها أعضاء البرلمان ومكافآتهم الشهرية.
- إن صادق جلالة الملك على هذا القانون (والأردنيون على أمل أن لا يفعل)، ستشهد الانتخابات القادمة معارك دامية ومالا سياسيا سيستخدم لشراء الذمم والحصول على مقعد في البرلمان له من الامتيازات التي لا تتوفر لأي كرسي في الدولة الأردنية.
- المواطنون الرازحون تحت نير الوضع الاقتصادي المنهار بدأوا بكتابة قوائم سوداء للبرلمانيين الذين وافقوا على مشروع القانون، الأمر الذي سيحدث شرخا لن يلتئم بين المواطن وبين البرلماني الذي يُفترض أن يمثل المواطن لا أن يسعى لتحقيق مآربه الشخصية، وبعض الأصوات أخذت تنادي برفع قضية في المحكمة الدستورية لإبطال هذا القانون.
- هذا القانون يسمح بمساواة الراتب بين الوزير والنائب، مع أن الوزير يُمنع من الاشتراك بأي عمل آخر أو تقاضي أي راتب غير راتبه من الخزينة و لا يجوز له أن يتقاضى راتبا تقاعديا إلا بعد انتهاء عمله كوزير، عكس النواب الذين يسمح لهم بإدارة أعمالهم الخاصة أثناء القيام بمهامهم كنواب.
جلالة الملك أنت ملاذ البلاد والعباد، وهؤلاء عصبة ضربت بمصلحة البلاد والعباد عرض الحائط، وانساقت وراء الشهوات والأهواء، الإصلاح ومحاربة الفساد شعارك وشعار الأردنيين من خلفك، ثقتنا عالية بأنك لن تصادق على هذا القانون انتصارا لشعبك وحقوقه، الإصلاح يا جلالة الملك على المحك، وهذا القانون يطلق عليه الأردنيون اليوم: (السرقة بالقانون)، فلتقطع يد السارق يا جلالة الملك.