يستعد العالم لموجة جديدة من الحروب، والغريب في الأمر أن العالم العربي والإسلامي، سوف يبقى ميداناً لحروب العالم الجديدة كما كان سابقاً، وكأنه مكتوب على هذه المنطقة أن تدفع الثمن الباهظ لصراع المصالح على مستوى عالمي ومستوى إقليمي، وقد قيل سابقاً إن العالم العربي هو خط المواجهة وميدانها لحروب المستقبل، وربما لقرون قادمة، ولذلك فإن كل القوى المتصارعة تسعى لموطىء قدم لها في الوطن العربي، وتحاول أن تحظى بإطلالة حقيقية على المياه الإقليمية العربية سواء من جهة الأبيض المتوسط غرباً، أو من جهة الخليج العربي وبحر العرب شرقاً، استعداداً للمواجهة المستقبلية.
وبناءً على هذه النظرية فإن ليلنا طويل، ومشوار الدم أكثر طولاً وتعقيداً مما يتخيل كثير من العرب وكثير من المراقبين، ولذلك فعلى شعوب المنطقة أن تستعد لتحمل عبء المرحلة وتغيراتها، وأن تستعد لدفع الثمن الباهظ، وربما ما زال المستقبل يخبىء ما هو أكثر إيلاماً، إن لم تنتبه الشعوب وتستيقظ، وتحاول استجماع قوتها المتمثلة بالتمكين الذاتي الحقيقي البعيد عن مسلك التبعية لأحد المحاور المتصارعة.
هناك عدة جوانب تؤشر على خطورة الحرب القريبة القادمة وتؤشر على حجم الخلل الكبير الذي يتمثل بالأمور التالية :
الأمر الأول : يتمثل بفلسفة المواجهة القائمة على استخدام القوة العسكرية والاعتماد على الفجوة الهائلة في التقنية ومستوى التسليح بين الأطراف، فالمجموعات المتطرفة تملك أسلحة تقليدية خفيفة محدودة، فلا وجه للمقارنة مع ما تملكه الولايات المتحدة والدول الغربية وحلف الناتو الذي يمثل القوة الضاربة في المعركة، والاعتماد على هذه الفلسفة يحقق خسائر كبيرة وتدمير هائل في المنطقة، ولكن بكل تأكيد لا تقوى هذه الفلسفة على اجتثاث القوى المتطرفة، ولن تستطيع إنهاء العنف واستعادة الهدوء، وذلك اعتماداً على الفشل الذريع الذي تم حصده في الحرب العالمية السابقة على الارهاب التي استمرت ما يقارب خمسة عشر عاماً، وأدت إلى زيادة مساحة التطرف وزيادة عدد الأعضاء المحاربين المنخرطين في سلك هذه المنظمات، وأدت إلى ظهور منظمات جديدة أشد تطرفاً وأكثر عنفاً على صعيد الفكر والسلوك.
ربما يكون هناك بعض التغيير الذي يجعل الولايات المتحدة والدول الغربية لا ترسل جنودها وجيوشها لأرض القتال، وإنما سوف تستعين بجيوش عربية وجنود عرب، وسوف يتم الاكتفاء بالغطاء الجوي، واستخدام الطائرات بلا طيار، والاكتفاء بالإشراف والإدارة العليا واستخدام التكنولوجيا، وفي النهاية فالخسارة عربية من الطرفين المتصارعين، ولكن نحن نتحدث عن فلسفة المواجهة الجوهرية، ولا نتكلم عن تحقيق الخسائر البشرية لدى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، مما يؤكد بقاء المنطقة تحت وطأة الصراع الدموي طويل الأجل، واستمرار الفوضى والعنف لأمد طويل.
الأمر الثاني : يتمثل بوجود مؤشرات بإعلان الحرب على الإسلام السياسي كله دون تمييز بين الاعتدال والتطرف، ويذهب بعض المؤتمرين إلى شمول جماعة الإخوان المسلمين بإعلان الحرب، ووضع كل الحركات الإسلامية في سلة واحدة، وهذا ما تؤيده بقوة بعض الدول العربية التي ترى أن الإخوان لا يقلون خطورة عن الحركات الإسلامية الجهادية، وهذا ما قصده بعض الزعماء العرب عندما قالوا بضرورة حرب الأفكار التي تؤدي إلى التطرف والعنف أو تمهد له، أو توجد البيئة المناسبة لاستنبات بذور التطرف، مما سيؤدي حتماً إلى اتساع نطاق الحرب وزيادة ردة الفعل لدى الشعوب، مما سيؤدي إلى إغراق المنطقة في حرب شاملة تأكل الأخضر واليابس، وهذا يحمل مؤشراً خطراً للغاية.
الأمر الثالث : يتمثل بغياب مفهوم الأمن الشامل للعالم المعاصر والدول والمنطقة، حيث أن ثورة الاتصالات، وثورة المعلومات، وسرعة أدوات النقل بين قارات العالم جعلت العالم كله يقترب من حقيقة الأمن الواحد ومفهوم الأمن العالمي الشامل، فوجود أي خلل في أي منطقة ينعكس أثره على العالم كله وعلى الأمن الدولي، مما يؤكد حقيقة ضرورة تضافر الجهود العالمية على تحقيق الأمن الحقيقي لكل شعوب العالم، من خلال إرساء مفاهيم العدالة والمساواة أولاً، ومن خلال منع كل أشكال العدوان في كل دول العالم وكل شعوب العالم بلا استثناء، ولا يتحقق الأمن بأن يحتكر الأقوياء والأغنياء القوة والأمن والثروة وتبقى شعوب العالم الثالث تعاني الفقر والحرمان والفساد والاستبداد، ولن تستطيع أي دولة أن تحفظ أمنها لوحدها، بعيداً عن مفهوم الأمن لكل دول المنطقة وشعوبها.
ولذلك لا بد من إرساء فلسفة جديدة تقوم على استراتيجية مفهوم الأمن الشامل، وعلى إرساء فلسفة التعاون والمشاركة القائمة على أساس العدالة والمساواة، والشروع بالتنمية العالمية الشاملة لكل شعوب العالم، ومحاربة أعداء الإنسانية التي تتمثل بالفقر والاستبداد والتخلف أولاً، قبل الشروع بمحاربة الظواهر والأعراض، وسوف تكون الفلسفة الجديدة أقل كلفة مادية ومعنوية وبشرية.
(الدستور)