دولة الرئيس .. من حقنا أن نعرف!!
جهاد المنسي
14-09-2014 03:08 AM
قبل سنوات، أيام الصغر، كان الجيل الذي يكبرني بسنوات يحرص دوما على إدارة مفتاح المذياع بحثا عن موجة الـ(بي بي سي) أو اذاعة لندن كما كان يحلو لهم أن يطلقوا عليها.
كان سبب البحث عن (إذاعة لندن) وقت ذاك هو إيمان الناس أن ما يرد فيها يحمل درجة صدقية كبيرة نوعا ما، وأعلى بكثير من درجة صدقية إذاعات العرب المختلفة التي كانت تقول لهم في وقت من الأوقات إن الصهاينة باتوا في البحر، وإنهم خسروا أعدادا كبيرة من طائراتهم، في الوقت الذي كانت الجيوش العربية فيه تتقهقر في 5 أيام، وتخسر الضفة الغربية وغزة والجولان وسيناء، وتُضرب الطائرات العربية في مدارج مطاراتها قبل أن تقلع!!!.
تطورت الحياة بشكل عام، وباتت الأخبار تتدفق بسرعة غير مسبوقة، بفضل شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت والهواتف النقالة الذكية، والفضائيات، فبات الناس يعرفون ما يجري في السلفادور وقت حدوثه، وأحيانا أصبحنا نعرف عن أي حادث مروري أثناء وقوعه، وكل ذلك بفضل ثورة المعلومات، والتي حرمت منها أجيال سبقتنا، كان أفرادها يتصيدون الأخبار تصيدا، عبر ألياف الإذاعات الاجنبية، بسبب إيمانهم أن ما يرد في إذاعات العرب كله كذب وبعيد عن الحقيقة ولا يراد منه إلا تضليلهم فقط.
سبب تذكري (إذاعة لندن) هو ما مر بنا الأسبوع الماضي من محاولات تضليل مارسته حكومتنا على العامة وعلى الرأي العام بشكل عام، من خلال إنكارها حينا دخولها كدولة في حلف دولي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد داعش، ومحاولتها أحيانا إيهامنا أن مشاركتنا في الحلف ذات طابع مختلف، ومن ثم معرفتنا أننا جزء أصيل في ذاك الحلف.
ترى أتعتقد حكومتنا أن الزمن لا يدور، وأننا ما نزال لا نعرف ما يدور حولنا، وأن عددا قليلا منا فقط يستطيع البحث عن (إذاعة لندن) لتحري الدقة والخبر، وأن سوادنا لا يعرف الا ما تقوله حكومتنا لنا.
لا أعرف كيف تفكر حكوماتنا حاليا، وخاصة أنها تعرف يقينا أن تدفق الأخبار بات ممكنا وبتنا نستطيع أن نعرف ما يدور حولنا ونحن جالسون أمام شاشات التلفزة، دون بحث عن اذاعة لندن أوغيرها، وأن المعلومات تصل الجميع دون استثناء سواء ذاك الجالس في عمان أو الجالس في أبعد نقطة عن عاصمتنا الحبيبة.
لا أعرف سبب تردد حكوماتنا الدائم في وضع الرأي العام والناس بشكل عام، أمام حقيقة ما يجري وما تقوم به؟!!، وكيف لها أن تبقى تدور وتدور دون شفافية واضحة، ودون معلومات حقيقية غير مشوشة.
على الحكومة الخروج علينا، لتقول لنا عن التحالف الجديد، ودورنا الحقيقي فيه، دون إخفاء لأية معلومة وبدون أن تدخلنا في دوامة النكران والمتاهات غير المجدية التي لا تخسر من ورائها إلا الحكومة، تخسر صُدقيتها وشفافيتها أمام شعبها وناسها، وأمام الرأي العام بأكمله.
الحكومة عليها أن تقول لنا بشفافية وصراحة ووضوح، وتقول لنا جمهور المتابعين والناس والذين سيتأثرون بأي قرار حكومي في هذا الصدد عن حقيقة دخول الحلف، وعن مكاسبنا من الدخول فيه، وخسائرنا بوجهة نظرها إنْ لم ندخل.
القصة ليست في انضمامنا للحلف ضد داعش من عدمه، وإنما في البحث عن الشفافية والوضوح التي تتعامل فيها حكومتنا معنا نحن دافعي الضرائب والناس والمواطنين والرأي العام.
في الدول المتقدمة ديمقراطيا لا يجوز للحكومة أن تبعد مواطنيها عن حقيقة ما يجري، وقد تدفع أية حكومة ثمنا غاليا إنْ وقعت في إطار إخفاء المعلومات أو عدم الشفافية، ترى إلى متى ستبقى حكوماتنا تتعامل معنا بهذا الشكل؟! ومتى ستؤمن أن المعلومات لم تعد حكرا عليها فقط، تستطيع أن تجود بها علينا وقتما تشاء، وبالطريقة التي تراها مناسبة.
عذرا أيتها الحكومة .. عذرا دولة الرئيس.. من حقنا أن نعرف!!
(الغد)