ضجر في زمن المحنة .. *ناهض الوشاح
13-09-2014 01:11 PM
قالت : وهي تتوسد أحلامها ... يكفي أننا نملك الكثير من الصبر ... ونملك قوت يومنا وغرفة تتسع لي ولك ولأولادنا الخمسة .
تظن به يسمعها وهو في عالم آخر يُسافر في دخان سجائره ... لولا الوهم الذي تعيشينه لكانت حياتك عبارة عن جحيم .
جرجر جسده على عتبة صباح أيلولي وتساقط كورقة خريف بللها العطش ... كان صباحا يضج بالصمت والناس يمشون مسرعين بخطوات قصيرة ...
من عادته ترك الباب مفتوح ... نداء زوجته لا تنسى أن تُغلق الباب عند خروجك ، ينسى زوجته ويتذكركلمة الباب التي تحمله إلى تهديد والده في صغره ... الرزق في البواكير والملائكة تدخل من الأبواب المفتوحة ... طأطأ عينيه ورفع روحه لعل زائرا من السماء يترك له ولأسرته ما يكفيه ذل العمل عند مصاصي الدماء .
كل شيء في الخيال جميل وكل من يقع في محنة الواقع يحتال على نفسه بفكرة يصوغها على طريقة الفقراء عيال الله .يصبرون وفي الجنة يفوزون.
ما لم يحصل عليه دوما يحلم فيه ... وما كان يحلم يوما بأكثر من سباق مع الزمن لا يخسر فيه نفسه ... لا ينزوي ولا ينحني ولا ينكسر ويواصل سباقه حتى يصل أو يثرثر مع روحه مُعزيا لا أحد ... نُحاول مُلكا أو نموت فنعذرا.
المحاولة فخ نخسر فيها الكثير من أعمارنا كما خسر العرب الأندلس أو حتى المحيط كله ... في النهاية ننجح بطعم وصلنا بعد فوات الآوان ...
كأننا ضحايا لغة تُتقننا من قبل أن نعرف متى وأين ولماذا وجدنا هنا ؟؟
من أعلى قمة في الحضيض أتيت .. أمر بجانب البنيات الضخمة التي تبنى لمن يبيعون روحهم للشيطان حتى ينعموا براحة منهكة تُبقيهم على تواصل يتوسدون فيه القلق وعيونهم على تقويم الشهر متى ستكون الدفعة الثانية لسداد القسط ... البنك لا يرحم فهو جيش بلا سلاح ... جحيم بلا لهب ... لا تعنيه الآخرة وما كسب .
راودته الفكرة مرارا ... حاول أن يفعل مثل فاوست ... ليعقد صفقة مع الشيطان ... يبيع روحه .. أولاده .. تاريخه المزور ... كتبة وشهاداته ... الغالبية تفعل ذلك ... وقد رأي بأم عينه شيخا يرتدي البياض واللحية تكاد تصل إلى نصف صدره يقف أمام الصراف الآلي يعد ويعد ...
يسأل نفسه هل عقد صفقته مع الشيطان أم مع الله ... ألا بئس ما يصنعون الذين يكنزون الذهب والفضة.
لا شيء يستحق هذا الغباء ... ربما لو كنت مثله لفعلت أكثر من ذلك ... وربما انضممت إلى شيطان من صنع الإنسان هذا المخلوق الذي رأى في البنك مكانا آمناً لخدعته ولسرقة الكثير من المتع البسيطة .
البنوك في كل مكان مثل القنابل المندسة ... في العمارات والسيارات ... في كل ما يحيط بنا ... الفائز سارق محترف والخاسرون مجرد قطيع يمتهنون دفع الثمن من عرقهم وصمتهم على أرباب عمل يعيشون على أكتافنا .
لم نولد أغنياء ولا فقراء لكن الإدارة الإقطاعية جعلت منا مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء وهذا ما نسمّيه في لغة الطبقات ،الكارثة التي تُطارد من يقبع تحت رحمة مجموعة من الأفراد تتحكم في كل مراحل حياتنا بدءا من الطفولة وصولا إلى الشيخوخة التي وصلت إلينا قبل أن نصل إلى السن الملائم لها .
لا حلول فردية لمحنة كونية تجتاح كل هذه الهياكل العظمية ... هدم الفجوة بين الأفراد المسيطرة والجماعات المسيطر عليها يحتاج الكثير من الوعي ... قتل الجهل ... إعدام الضياع ... رجم النزاع ... الزحف في خندق واحد . وهدم صنم المال هذا المتوحش الذي جعل منا وحوشا تكاد تأكل بعضها بعضا .
خطواته بطيئة ... صاحب العمل يقف على الباب ... ينظر إلى ساعته ... يرد عليه التحية ... يرد صاحب العمل بأسوأ منها انظر إلى ساعتك يا أستاذ ...
كانت تشير إلى التاسعة ... همهم في نفسه ... رافعا رأسه يريد أن يصرخ بوجهة ويرميه بكل العبارات التي تجعل منه أسطورة للحظة لا يُسجلها التاريخ وإنما سيحتفظ فيها بذاكرة الباب المفتوح .
تراجع إلى الخلف وهو يمسك تنهيدة تكاد تنفجر دموعا وهو يتذكر زوجته وأولاده ... أعتذر يا سيدي ... سرقتني الأحلام عن واقع العمل .
دخل الى مكان عمله وصوت مديره يلاحقه ... ما تأخرته اليوم سَيخصم في آخر شهر أيلول .
شكرا سيدي على كرمك .