أحيانا قد تضطر الى مغادرة مساحة الصمت التي تحيط نفسك بها، حتى لو كلفك الأمر أن تطأ الرمضاء وتعبر حقول الألغام دون احتساب للعواقب، مدفوعا بغيرة محمومة على الوطن الذي يكاد يضيع نهشا بين أنياب الذئاب المفترسة التي تتسابق بشكل مسعور لكسب المزيد من الامتيازات حتى لو كان الوضع لا يسمح بذلك.

أسوق هذه المقدمة الطللية بعد أن قام أعضاء مجلس الأمة بإقرار قانون التقاعد المدني الذي منح بموجبة تقاعدات غير مستحقة لأشخاص غير مستحقين ضاربا بعرض الحائط جميع المطالبات ومتجاوزا عن كل المحن والظروف التي أصبحت الدهماء في زمن عز فيه الحكماء.

أليس هو نفس المجلس الذي اصطف الى جانب الحكومة ووقف سدا منيعا في وجه المطالبات المستحقة للمعلمين المتمثلة بعلاوة الطبشورة، بذريعة أن موازنة الدولة لا تسمح بذلك؟؟؟

البعض تناول هذا الأمر – واعني إقرار قانون التقاعد الجديد بهذه الأغلبية غير المسبوقة- باعتباره سابقة تشريعية استفرد بها هذا المجلس، ومن هنا نقول تصحيحا لذلك، أن ما حدث يعتبر أمرا طبيعيا في ظل استقواء جميع المجالس التي مرت على الوطن وهذا هو الأمر الطبيعي بعد أن بات الوطن كله سوابق!!!

نعم أصبح الوطن كله سوابق ومن كافة الأنواع، حتى صرنا وطنا غير مسبوقا ومحفوفا بالسوابق من كل نوع، فمن منكم يستطيع أن يدلني على أمر واحد لا يعتبر سابقة تسجل لهذا المجلس أو لغيره من المجالس المتعاقبة على إذلال المواطن والدولة.

ألا يعتبر القانون الذي جاء بهذا المجلس سابقة غير مسبوقة في التاريخين القديم والحديث؟؟؟
ألا يعتبر منح الفاسدين الحصانة وصكوك الغفران من قبل المجالس المتعاقبة سوابق يندى لها الجبين في حق الوطن، خصوصا بعد أن تم تقديم الأدلة الدامغة على كافة الجرائم الاقتصادية التي تم ارتكابها بحق الوطن؟؟؟

ألا يعتبر سابقة عندما تبنى علاقات الشراكة الاقتصادية وتبادل المنافع وشراء الذمم وتبادل الثقات بين أعضاء المجلس والحكومة من باب حكلي تـ حكلك؟؟؟

ألا يعتبر سابقة بحق الوطن عندما يطالب الفاسدين داخل الوطن وحتى من خارجه بمحاكمتهم في مجلس النواب الأردني، لأنهم إن لم يضمنوا البراءة فسوف يضمنون عدم المسئولية على أبعد تقدير حتى صرنا مسخرة ومضرب مثل عند العرب والأعاجم؟؟؟.

ألا يعتبر قانون الخصخصة وجذب الاستثمارات الأجنبية وبيع الشركات الناجحة تحت هذا المسمى وغيره من المسميات وقانون الضمان الاجتماعي سابقة بحق الوطن ومقدراته وأبنائه؟؟؟

ألا يعتبر هضم الحقوق والواسطات والمحسوبيات والسطو على المناصب سابقة لم يسبقنا ولن يجرؤ على ذلك أحد بعدنا؟؟؟ والأدهى أننا ندعي النزاهة والشفافية!!!

ألا يعتبر سابقة عندما يتنطح الفاسدون لمحاربة الفساد والتحذير منه ويتصدرون المنابر لإلقاء الخطب الطنانة عن عواقبه ومآسيه، وهم بالأمس القريب من أسس وشيد ورفع أركاناً للفساد ومنظومته حتى أضحى علامة فارقة في تاريخ الوطن؟؟؟

ألا تعتبر سابقة في تاريخ الوطن عندما يكون لدينا هيئة لمكافحة الفساد أشبعتنا لطما عن الفساد والفاسدين ونحن نشير إليه بجميع أصابع الأيدي والأرجل بكل وضوح، ثم تغمض العين عن الفاسدين ولا تجرؤ حتى على الإيماء إليهم بالرؤوس؟؟؟

ألا يعتبر سابقة عندما يحارب النزيه والشريف ويكافأ الفاسد والمفسد بالمناصب والتنفيعات وشعارنا أصبح المواطن النظيف على الرصيف؟؟؟

ألا يُتعبر القفز على حقوق المواطنين وفرض الضرائب ورفع الأسعار وتكميم الأفواه والحريات سابقة لم يفكر بها قبلنا ولا بعدنا أحد؟؟؟

ألا يعتبر سابقة لم ولن يأتي لا بعدها ولا قبلها، صمود المواطن الأردني أمام كل هذه المهانة والإذلال وكل هذا التنكيل والتجويع والتركيع؟؟؟

ثم ألا يعتبر المواطن الأردني بحد ذاته سابقة لا يدانيها سابقة في تاريخ البشرية عندما تمنح له الفرصة أكثر من مرة لاختيار ممثليه وفي كل مرة يختار نفس الوجوه ويستمر مسلسل لطم الخدود وشق الأثواب وندب الحظوظ؟؟؟

لك الله يا وطني، فقصة وجودك وصمودك سابقة بحد ذاتها؟؟؟!!!