مراجعة منهج الاستدلال الشـرعي
عمر كلاب
13-09-2014 03:37 AM
إن التعدد الفقهي مقبولٌ كنقيض للاستبداد باسم الدِّين , لكن وصول التعدد الفقهي الى هذه الحدود المنفلتة , بحيث لا تخرج فتوى من رجل دِين حتى يخرج نقيضها في نفس اللحظة ونفس الساعة , فهذا اقرب الى الفوضى واللامعيارية التي يخشى الإنسان فيها على أصل دينه .
أمس اجتهد خطيب مسجد في إلقاء خطبة عمَّن أسماهم “ عُصاة الزمن النبوي “ وكيف انهم اكثر اخلاصا لمفهوم الدِّين من أبرز الزُهّاد والعُبّاد في زماننا , مستلهما من قصة المرأة الزانية التي جاءت الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معلنة اعترافها بواقعة الزنا طوعا , وكيف تعامل الرسول الكريم بإنسانية مع الواقعة تفوق كل ما يتحدث به دعاة حقوق الانسان في زماننا , وخلُص الى نهاية الواقعة برجم المرأة ورعاية ابنها من انصاريّ , وختم روايته بجملة النبي الخالدة ردّا على خالد بن الوليد الذي قام بذم المرأة بقوله صلوات الله عليه :” والله إنها تابت توبة تَسَعُ سبعين من أهل المدينة أو كما قال رسول الله “ .
الخطيب يحمل شهادة الدكتوراة في احد فروع الفقه , ولحظة انقضاء الصلاة دار حوار جريء معه من قبل ثلاثة يحملون نفس درجته العلمية ومهندس والعبد الفقير الى الله عن نهاية الحادثة , وكل أدلى برواية للنهاية موثقة في مرجع معتمد ومعظم النهايات متناقضة للأسف , والأهم أن النص القرآني بمجمله يخلو من عقوبة الرجم ومحدد بالجلد كما ورد في الآية 85 من سورة النور .
الحوار الساخن انتهى على وعد جلسة خاصة لمناقشة الواقعة ودلالاتها , لكن الأخطر كان حجم الاستدلال من الحضور الذين يحملون شهادات علمية رفيعة , والخطر انهم جميعا تناقضوا في نهاية الرواية واستندوا الى احاديث نبوية ومراجع تاريخية موثوقة , مما يطرح سؤالا كبيرا عن ضرورة مراجعة منهج الاستدلال الشرعي , وكيف يجد اسامة بن لادن وزكي بني ارشيد وابو بكر البغدادي ما يؤيد فتاويهم المتناقضة ؟فالأصل أن الدِّين -أي دين- يقدم للناس قائمة بما ينبغى عليهم فعله (دائرة الواجب أوالمفروض) وما ينبغى عليهم تجنبه (دائرة الحرام) وما بينهما من المستحب والمباح والمكروه ,ولكن ماذا لو بلغ الأمر بنا أن الخطابات الدينية فقدت قدرتهاعلى أن تحدد للناس تلك الدوائر بفعل الجدل بلا حجج بين أصحاب تلك الخطابات؟
كان من المنطقى أن يختلف مالك مع الشافعى ، لأنهما وصلا لهذا من أحاديث لم تصل بالضرورة
لذاك ، لكن ماذا عنا الآن بعد أن وصلت لنا كل الأحاديث بل هي موجودة في موسوعات إلكترونية متاحة للجميع؟هل من المعقول أن يكون أمر ما في دائرة المباح عند بعض العلماء الثقات هو نفسه في دائرة الواجب أو الحرام عند البعض الآخر؟ هذا يعني ببساطة أن بوصلة الاستدلال أصابها عطب و وجب أن تقوم دوائر الفعل الديني بمهمتها دون تباطؤ أو استرخاء، بعد أن وصلنا الى حالة من التناقض والاسهال في الفتاوى، التبس فيها على الناس صحيح دينهم , وساد الذبح والتقتيل بين أبناء الطائفة الواحدة في الدِّين الواحد وليس بين أبناء الوطن الواحد من فرقاء المذاهب والأديان .
قبل أيام كتب الزميل رئيس التحرير “محمد حسن التل” مقالة عن مسيحيي العراق , قال فيها: إن مفهوم دفع الجزية عن يد وهم صاغرون تتعلق بالأقطار ولا تتعلق بالأفراد , الذين وفَّرت لهم الدولة الإسلامية راتبا تقاعديا , واستند الزميل -وهو ابن مفكر إسلامي معروف- الى نصوص ومراجع فقهية ترتكز في استدلالها الى حادثة زمن الفاروق -رضي الله عنه- فكيف يستند “البغدادي” الى عكس ذلك تماما وهو من اتباع نفس المذهب والدِّين ؟
إن المعضلة ليست فى القضية محل التحليل والتحريم إنما في منهج الاستدلال الذي يجعلنا في النهاية ننتهي إلى الرأي ونقيضه.
(الدستور)