تطرف مغطى «بالسولفان» .. !
حسين الرواشدة
12-09-2014 04:48 AM
ما تزال تهمة “ التطرف الارهاب” التي ابتدعها الخطاب الغربي مقترنه بالمهاد الديني الاسلامي ، الى درجه يبدو فيها “المسلم” –حتى لو كان معتدلا – مجرد مشروع للتطرف والعنف وهو قابل للانفجار وممارسة الارهاب في اية لحظة ، على اعتبار ان ذلك من صميم هوايته ومهنته ومن بواعث ايمانه وطبيعة فهمه للحياة والآخرة .
ومن أسف ان اختزال الارهاب وما يتبعه من مصطلحات مشابهه بالاسلام فقط ، كاد ان ينسحب على تصورنا لذاتنا – ايضا- ، حيث يبدو ان الكثيرمن الحكومات الاسلامية(دعك من المسلسلات الدرامية التي نشاهدها) اقتنعت “بالبدعة” الغربية ، ولم تر في كل صور الارهاب الذي يمارس الاّ بواعثه وجوانبه الدينيه فقط، فيما كان هنالك أكثر من ارهاب يجري التغطية عليه ، وربما يكون اخطر وابشع من ذلك الذي يمارسه المتدينون المتشددون .
خذ مثلا الارهاب السياسي ، وخذ –ايضا- الارهاب الفكري .. وخذ- ثالثا – الارهاب الاجتماعي ، وبمقدور أحدنا ان يضع تحت كل نوع عشرات الأمثلة و النماذج التي تحتاج الى المكافحة و المواجهة ، والتشريعات الرادعة ، والاجراءات و المقررات الحاسمة ، لكن – من سواء حظنا- ان( الديني) وحده ، يتحمل اعباء هذه الحرب الجديدة ،وأن غيره من متطرفي الفكر ،أو غلاة السياسية ،أو دعاة الفساد الأخلاقي ،أو منظري استئصال الطبقات الوسطى ....لا يدرجون في قائمة الإرهاب ، ولا ينتبه احد الى اخطائهم ، ناهيك من ان يحاسبوا عليها.
مقابل التطرف الديني ثمة تطرف سياسي ...ومن تحت عباءة هذا التطرف خرجت الى بلادنا الاسلامية مناهج التكفير التي ترادفت – باستمرار- مع مناهج الحذف و الاستئصال ، واذا كان ثمة من يريد ان يعالج التشدد و الغلو و التكفير وسواها من مفردات العنف و الارهاب ...فإن مراجعة الحقل السياسي تتقدم على معالجة المجال الديني ...كما ان العناية والرعاية للأرضية الاقتصادية و الاجتماعية وقلع ما فيها من الاحساك والأشواك تتقدم هي الأخرى على كل ما نفكر به من تشريعات واجراءات أمنية ...وتغييرات في التربية و التعليم و الاعلام وغيرها من الحواضن التي تلصق بها مسؤولية المكافحة والمعالجة ..
ان وضع ( الارهاب ) على مسطرة واحدة ، ومحاكمته في أكثر من ارضية ومهاد ، ومحاسبة كبار المحسوبين عليه قبل محاسبة من يقترفه من الصغار تجعلنا نواجه الحقيقة للمرة الأولى ، وتخولنا من الانتصار عليه ،وتضع بين أيدينا أهم الوسائل لاقناع الجميع بسلامة تصورنا للمشكلة ، وقدرتنا على معالجتها وتطويق تداعياتها الخطيرة .
باختصار، ان الذين يجنحون نحو العنف و التطرف أو الذين يمارسون الارهاب ، لا يفعلون ذلك-فقط- بأمر الهى يتصورنه خطأ، و لا بدافع ايماني يخولهم الدخول من خلاله الى الجنة ، ولكنهم كغيرهم من الاشرار يمارسون ما عجزوا عن فعله سياسيا واجتماعيا بالادوات ذاتها التي يمارسها السياسي و المفكر المحسوبين على خط( الارهاب) المقنّع ،أو المغطى بالسولفان ، فالاختلاف –هنا- في الادوات فقط ...أما المضامين فواحدة ....وإن اختلفت التسميات و الاعتبارات .
(الدستور)