الشباب الأردني وانقراض العمل السياسي
باتر محمد وردم
23-03-2008 02:00 AM
بدأت الأحزاب الأردنية في خوض صراع الأمتار الأخيرة للحصول على عدد كاف من المنتسبين لتصويب أوضاعها بما يتناسب مع بنود قانون الأحزاب الجديد الذي يشترط وجود 500 عضو مؤسس من خمس محافظات على الأقل. المفارقة التي تواجهها معظم الأحزاب أنها قد تكون قادرة على إيجاد أعضاء من كبار السن والنشطاء السياسيين السابقين ولكنها تجد صعوبة كبيرة في حشد الشباب مما يهدد هذه الأحزاب بالإنقراض حتى في حال تمكنت من الحصول على العدد المطلوب من الأعضاء مرحليا. عزوف الشباب عن العمل السياسي والعمل العام بنمطه الواسع ظاهرة مقلقة للجميع في السنوات الأخيرة ، باستثناء القوى المحافظة التي تريد إبعاد الشباب الأردني عن اي نشاط سياسي مستقل وإشغالهم بمطاردة لقمة العيش ومكافحة البطالة من جهة ، والدخول في مواجهات عشائرية وإقليمية من جهة أخرى تصبح الجامعات والمدارس مكانها الرئيسي.
لا يحتاج الأمر إلى الكثير من الذكاء لمعرفة أن بعض الحكومات المتعاقبة كانت هي السبب الرئيسي في انتشار ظاهرة التطرف العشائري والانغلاق العنصري في الجامعات ، حيث عمدت هذه الحكومات إلى بناء ودعم تيار "وطني" معتمد على الثقل العشائري لمواجهة نمو الحركة الإسلامية في الجامعات ونشاطاتها السياسية ، وهذا ما جعل الكثير من الطلبة يلتفون حول ولاءاتهم العشائرية بأمان وحرية وقبول تام من إدارات الجامعات ، حتى نمت هذه الولاءات العشائرية الضيقة وطغت على كل الولاءات الوطنية الواسعة ، ناهيك عن الولاءات القومية والروابط الفكرية.
وإذا كانت الساحات الجامعية قد أصبحت حكرا على المناكفة غير المثمرة ما بين الإسلاميين والتيارات العشائرية ، بغض النظر عن مسمياتها الإعلامية فإن بعض الحركات الشبابية العابرة للأحزاب بدأت بالظهور مؤخرا والحصول على سمعة جيدة في الوسط الشبابي الأردني. أهم مثالين على الحركات الشبابية العابرة للأحزاب وذات الطابع اليساري - القومي هما حركة "ذبحتونا" والتي تركز على حقوق الطالب الجامعي في مواجهة إرتفاع الأسعار الجامعية ، وكذلك حركة "لأ" التي ركزت جهودها في الإحتجاج ضد ارتفاع الأسعار بشكل عام. نجاح هاتين الحركتين يتركز في استخدام الاساليب الحديثة مثل التجمعات الشبابية والموسيقى والتركيز على قضايا حيوية تهم الشباب الأردني وبعيدا عن أطر القمع والسيطرة المركزية للقيادات الحزبية التقليدية. ومن الملاحظ أن السلطة التنفيذية تعاملت بقسوة مع هذه الحركات الشبابية أكثر من قسوتها مع التنظيمات الإسلامية.
وقد ظهر ذلك من خلال حملات إعتقال للشباب القياديين في هذه الحركات حتى لو كن من الإناث ، بينما هناك نوع من "التسامح" مع الكوادر الشبابية في الحركات الإسلامية ربما لسهولة السيطرة على الكوادر الشبابية في الأحزاب الإسلامية من خلال قيادات هذه الحركة بينما الشباب اليساريون والقوميون يشعرون بنوع متميز من التحرر من وصاية القيادات الحزبية التقليدية مما يجعلهم أكثر نشاطا واصعب على السيطرة وهذا ما قد يخلق منهم قيادات سياسية شبابية في المستقبل.
هذه التشكيلات الشبابية الإسلامية والقومية واليسارية لا تزال تضم نسبة ضئيلة جدا من الشباب الأردني النشط في العمل العام لان النسبة الأكبر هي المرتبطة بمبادرات ونشاطات الحكومة والسلطة التنفيذية. ومع أن العدد الأكبر من الشباب المنظم يوجد ضمن شبكة المجلس الأعلى للشباب والتي يمثل المظلة التنفيذية لقطاع الشباب في الأردن ، ولكن الشبكة الأكثر نشاطا هي هيئة شباب كلنا الأردن.
بشكل عام فإن مبادرة كلنا الأردن أصبحت هيكلا بديلا عن العمل السياسي المنظم في الأردن. لقد ضمت الهيئة تقريبا كافة التيارات والشخصيات السياسية والاقتصادية ذات التأثير اثناء صياغة الأولويات وأصبحت فيما بعد برنامج عمل للحكومة الأردنية ، ولكن بعد سنتين من مبادرة كلنا الأردن بقيت الهيئة الشبابية هي الوحيدة ذات التواجد الحقيقي بعد أن قامت لجنة "كلنا الأردن" الكبيرة بدورها في صياغة البرامج وواجهت مبادرة "نساء كلنا الأردن" فشلا ذريعا منذ الخطوة الأولى. مبادرة شباب كلنا الأردن صنعت مؤسسة شبابية بديلة عن العمل الحزبي المنظم ، وبغض النظر فيما إذا كان هدف "الإستبدال" هذا موجودا منذ البداية أو أنه نتيجة طبيعية لظهور المؤسسة فإن الشباب الأردني اصبح أكثر ميلا للإنضمام إلى مبادرة تعمل تحت غطاء السلطة وتوفر الحماية للمشاركين من المساءلات الأمنية بل وقد تمنح لهم امتيازات مادية واجتماعية لا يمكن للأحزاب تحقيقها حيث يعاني الشباب الحزبي من الكثير من الضغوط الأمنية والسياسية والاقتصادية ايضا في صعوبة الحصول على فرص عمل مناسبة. يمكن أن تحقق هيئة شباب كلنا الأردن الكثير من الإنجازات في حال تمكنت من حشد قدرات مجموعة كبيرة من الشباب في المحافظات على تنفيذ برامج التنمية الميدانية وإستثمار الطاقات الكبيرة التي يتمتع بها الشباب إضافة إلى المساهمة في نشر الوعي الوطني بدلا من التعصب الجهوي.
ولكن هذه الهيئة من الصعب أن تكون بديلا وحيدا للعمل الشبابي في الأردن لأن الهيئة تمثل مجموعة من الشباب الذين تم اختيارهم بناء على تميزهم في النشاطات العامة ومن خلال منظمات غير حكومية وجامعات ونواد شبابية ، ولكنهم بالتأكيد لا يمثلون كل الطيف الاقتصادي والسياسي والفكري للشباب الأردني.
لا توجد هيئة يمكن أن تدعي ذلك ، والتعددية في التمثيل الشبابي يجب أن تبقى مضمونة. القيمة المضافة الأساسية لهيئة شباب كلنا الأردن هي إرتباطها المباشر مع مؤسسة الديوان الملكي وهذا ما يعطيها ميزة تنفيذية وسياسية فريدة بين كل المؤسسات الشبابية في الأردن ويعطي الهيئة الموارد والأدوات اللازمة لتنفيذ خططها ، ولكن هذه الميزة قد تنقلب إلى مشكلة في حال أساء الشباب تقدير السلطة التي يتمتعون بها فيعتبرونها وسيلة لتحقيق المكاسب الشخصية والإرتقاء السريع غير الطبيعي في سلسة "بناء النخبة" الأردنية الجديدة. تمكين الشباب عنصر رئيسي من عناصر التنمية في الأردن ، والحالة الراهنة في ضعف دور الشباب الحزبي تعتبر إنعكاسا واضحا لهيمنة رغبات الشباب الأردني في بناء مستقبل لهم في القطاع الخاص أو الأكاديمي أو حتى القطاع العام الذي فقد جاذبيته المؤسسية مؤخرا ، ولكن هذه الرغبات الشبابية في النجاح المهني والذاتي والاقتصادي جعلت من متابعة النشاطات والقناعات السياسية سلوكا ضعيف التأثير لدى الشباب الأردني. ومع أن بعض القوى المحافظة قد تعتبر أن تغييب الشباب عن العمل الحزبي يساهم في الإستقرار السياسي في الأردن فإن هذه النتيجة ليست صحيحة لأنه في مقابل غياب القناعات الحزبية والإيديولوجية وتركيز هيئة شباب الأردن على "نمط واحد" من الثقافة الوطنية التقليدية فإن قناعات التعصب العشائري سوف تحل مكانها وهذا وضع يهدد الوحدة الوطنية في الأردن بشكل مباشر.
الدستور .