تشرفت اليوم بان كنت بين الاهل في محافظة الطفيلة.. كانت الثانية عشرة ظهرا موعدا للفعالية الاولى والمتمثلة بافتتاح معرض الصور الفوتوغرافية التي التقطها الفنان المبدع اشرف حسن في جبال الطفيلة اثناء تصوير مسلسلات تتعلق بالارهاب تم عرضها في محطات عربية..
الصور بمجملها تشكل بانوراما خلابة للمكان.. ولجبال السلع ووديان جنوب الطفيلة وتضاريسها الفريدة في خشونتها وجمالها..
على تلك الجبال التي تبدو كالعهن المنفوش.. وتستوطن في سفوحها بعض اشجار اللزاب والطرفا والبلوط.. مر شاعر العرب الشنفرى وهو يدندن "أن في الشعب الذي دون سلع.. لقتيل دمه لا يطل" وسار على الروابي متوعدا قتلة ابن عمه..
في السلع القرية التي آثرت أن تختبئ عن القمر اول الليل لتساهره قبل المغيب.. سحر واغواء.. فقد اثرت ان تساكن القمر بعد ان يمر بشعاعه على نصف الارض التي تستقبل طلوعه.. وتبقي عيونها عليه في رحلته التي قد تمتد حتى مشارف الفجر.. فالقلعة التي تطل غربا على الاودية وسفوح الجبال مشغولة بتوخي الحذر وحماية اهلها من طمع الغزاة وفضول العابثين.
لقد نجح الفنان اشرف في اظهار جماليات المكان الذي رأى فيه صناع دراما الصراع بين جيوش الحداثة وحراس الماضي البعيد موقعا مثاليا لاحداث الاثر... فالمكان يكاد يتبدى من اطارات كل اللوحات التي شملها المعرض يدعوك لتتأمل سحراً طبيعياً يصعب عليك المرور دون التوقف عند تفاصيله.
من جانب آخر كان اليوم مناسبة لي ان التقي بسيدات الملتقى الثقافي في المحافظة.. وان نتحاور بود واحترام حول ما يمكن ان تقوم به السيدات للنهوض بالشأن الثقافي في المحافظة وما يمكن ان يقدم للملتقى من دعم للنهوص بالمهام والاهداف التي وضعت له...
تحدثنا عن الهوية والتراث وذاكرة المكان والحرف اليدوية والصناعات الغذائية.. تحمل النسوة في الطفيلة آمالا وطموحات واهدافاً كبيرة ويتطلعن ومعهن المحافظة الى دعم المؤسسات التي تنوب عن اجهزتنا الرسمية في تقديم الدعم المعنوي والمادي والفني.
في الحوار الذي حضره السيد مدير الثقافة وجمع من المثقفين والفنانين والمهتمين في اجمل مدننا تحدثنا عن هوية الثوب الطفيلي وتاريخه.. وعن زيتون الطفيلة الذي اضاء بزيته مدن الانباط والادوميين.. وتحدثت بعض النسوة عن طرق النحاس كحرفة يدوية فقلت لهن ممازحا الا ترين ان علينا ان نجد النحاس اولا لنطرقه.
ضحكت السيدات في مجاملة للسؤال الذي لم يعرف المغزى من اثارته..كنت اتمنى لو امتد الحديث اكثر لاقول لسيداتنا الطيبات ان النحاس كان هنا...وان طرقه بدأ هنا ..وان في حدود المحافظة الاف الاطنان من مخزون المعدن الثمين الذي احطناه بسياج لنحافظ على السحالي والثعالب والضباع والوحوش وشجيرات البلوط والبطم واللزاب...بانتظار ان تأتينا السياحة او شهادة حسن السلوك البيئ في المؤتمر القادم..لذا فما عليكي يا سيدتي الا ان تطرقي نحاسا غير نحاسنا انتجه اناسا غير اناسنا.
في المساء وبعد التوقف على بعض قمم جبال قريتنا بصحبة بعض افراد العائلة زرت اخي الذي لا يزال يستمتع بالنوم فوق سطح المغارة التي تأوي بعض رؤوس الغنم التي لا يستطيع العيش بعيدا عنها...وجدت الرجل الذي سيحل في خانة الثمانينات بعد عام او اكثر قد اشعل مصباح الكاز ليبدد بعض الظلام عن حاجياته التي احاط فراشه بها ..اعد لنا الشاي على طريقته وشكى من شركة الكهرباء التي وعدته بان توصل له التيار منذ 4 سنوات وفي كل مرة تاتيه اجابة غير تلك التي سمعها..
تحدث اخي بغضب عن الاهمال وقلة اهتمام المسؤولين والمحاباة.. وقبل ان يصل موعد نومه المعهود تركته وانا استذكر حياة اسرتنا قبل اربعين عاماً.
الليلة لا شيء يختلف على اخي سوى التاريخ وفقدانه لجزء غير يسير من الحيوية التي كان يتمتع بها قبل ان يبلغ ما بلغه زهير بن ابي سلمى عندما سئم تكاليف الحياة.
تحية للطفيلة.. ولاهلها.. وللنساء فيها.. ولاخي ابي علي... الذي حسم علاقته مع الحداثة قبل التورط مع مفاهيم الحاكمية... والشفافية.. والنزاهة.. وجدل البيئة المستدامة والنحاس في الطفيلة والخصخصة.. وتشجيع الاستثمار.. ومكافحة الفساد.