العالم ينتفض للحرب ضد تنظيم "داعش"؛ فيتحد الفرقاء ضد العنف والتطرف اللذين يجسدهما. ولا ضير في ذلك، بل هو ضرورة في هذه المرحلة الحرجة التي بتنا نشهد فيها تنفيذا عمليا لأهداف هذا التنظيم.
قمة حلف "الناتو" انعقدت تحت هذا العنوان. والرئيس الأميركي باراك أوباما، أعد الخطة والعدة للمواجهة، بعد تردد طويل، وأعلن أول من أمس أن الدول المعنية بخطر التنظيم، خصوصا تلك التي يهدد مصالحها مباشرة، بما فيها الأردن، ستجتمع اليوم في جدة للتنسيق فيما بينها بشأن توزيع الأدوار.
الدول على اختلاف أجنداتها وأهدافها تقفز عن جميع القضايا الخلافية فيما بينها. أيضا لا ضير في ذلك، فالهدف هو تحجيم نفوذ "داعش" الذي بدأ يرسم حدود دولته في المنطقة.
العمل بدأ منذ سيطر التنظيم على الموصل وبلغ إربيل، وقبلهما بسط يده على مناطق واسعة في سورية، لكن ذلك لم يعن شيئا للعالم أجمع.
الخطوات متدرجة، بدأت بقرار أممي يمنع تسهيل تدفق الأموال للتنظيم، والتوسع بضربات أميركية محدودة ضده في العراق، فيما يتم الآن تحديد مهام كل دولة في المعركة ضد الإرهاب والتطرف اللذين يمثلهما.
الرئيس الأميركي لا يبدو متعجلا، والخطة التي وضعها لا تبدو سريعة؛ إذ سيستغرق تنفيذها ثلاث سنوات، وهو ما يعطي قيادات التنظيم الوقت الكافي لنشر أفكارها، بل وحتى التوسع على الأرض في الأثناء.
صحيح أن خطة أوباما التي ترتكز على حل أمني عسكري، قد تكون قادرة على قتل المتطرفين ولربما محوهم، لكنها في الوقت ذاته عديمة النفع بشأن وقف تنامي هذا التيار وحسره؛ فالرصاصة لا تقدر على قتل الفكرة، وهنا يبدو التحدي الحقيقي، والحرب الفعلية التي يتوجب على الجميع خوضها.
الحل العسكري ليس إلا جزئية في استراتيجية محاربة هذا التطرف، وسط إسقاط لمبدأ مهم، يدرك أن الاعتدال لا يولده الرصاص. ومهما كانت الخطة التي تشترك فيها الدول، يبقى القضاء على "داعش" ومحاصرته ضمن هذه الرؤية العسكرية سطحيا وعاجزا. فسنوات من الحرب ضد التطرف لم تقض على هذه التنظيمات، بل صرنا نشهد تطورا لمضمونها وأفكارها بمرور الوقت.
الضرورة والحاجة تتطلبان إدراك الدول أن الفكر لا يجابه إلا بالفكر؛ وأن وقف تنامي التيارات المتشددة، على اختلاف وتفاوت مستويات تطرفها، يتطلب من الدول استخدام أدوات مضادة، تعتمد، أولا، على تحليل موضوعي للأسباب التي ولدت "داعش" ومثيلاته، وجعلت من المجتمعات بيئة حاضنة مولدة لشباب يؤمن بالإرهاب والقتل سبيلا لتحقيق طموحاته.
لن ينجح الحل الأمني والعسكري إن لم يترافق مع استراتيجيات سياسية وخطط تؤمن بتحرير الأفكار الإصلاحية وتحقق العدالة وتضمن تمثيل الجميع في كل بلد كل بحسب توزيعته الديمغرافية، وفي هذا مصلحة للأنظمة قبل الشعوب، وبحيث تُمنح مساحات من الحرية التي تؤسس لشكل جديد من الإدارات، تستقطب الشباب نحوها بدلا من إبقائهم صيدا سهلا للفكر المتطرف.
محليا، ينشغل كثيرون بتوجيه أصابع الاتهام لأميركا باعتبارها من صنع "داعش". ومستويات الاتهام تتفاوت بدءا من رئيس وزراء سابق، وصولا إلى رجل الشارع العادي، رغم أن الأهم هو البحث عن الأسباب التي خلقت "داعش" بيننا، متجسدا في أكثر من شكل.
ذلك أن "داعش" ليس فقط جماعات جهادية، بل هو الغلو في كل شيء؛ قتل، وترويج للمخدرات، وتراجع لمستويات التعليم، وتنامي الفساد لاسيما الصغير منه. فالتطرف لا يقتصر على أفكار مغلوطة للدين يستخدمها أصحابها غطاء لسفك الدماء والتنكيل بالأقليات.
لا أقلل من خطر تنظيم "داعش"، لكن القضاء عليه يحتاج إلى استراتيجية فكرية تؤمن بالتعددية قبل كل شيء وخطة تنموية حقيقية تعالج المشاكل الاقتصادية، وتصلح الاختلالات التي صنعتها الحكومات بطريقة إدارتها للشأن العام.
نحن من صنع "داعش" بكل أشكاله وإشكالياته، ولذلك نحن الأقدر من غيرنا على خوض الحرب ..
(الغد)