مشاريع الطاقة .. أما لهذا الجدل أن ينتهي ؟!
د.زهير أبو فارس
10-09-2014 06:22 PM
باستثناء "مياه الديسي"، لا تزال المشاريع الاستراتيجية الكبرى التي تسكن عقل وأحلام الملك، مرتبطة بشكل مباشر بالطاقة، ومنها "قناة البحرين"، أو ما يسمى بمشروع انقاذ البحر الميت، والمشاريع المعتمدة على المصادر المحلية للوقود، كبرنامج الطاقة النووية، وعلاقته العضوية بتعدين اليورانيوم (الكعكة الصفراء الأردنية)، والصخر الزيتي، والطاقة المتجددة، وغيرها.
واهتمام الملك بالطاقة ينبع من ادراكه العميق بالخطر الذي يشكله هذا التحدي الاستراتيجي في المدى القريب على مشاريع التنمية الشاملة في المملكة، بل ومستقبل وتوجهات الاقتصاد الأردني عموماً على الأمدين المتوسط والبعيد.
فالمديونية التي تتصاعد أرقامها بصورة مرعبة، أساسها فاتورة الطاقة الفلكية، التي أصبحت تستهلك أكثر من ثلث الموازنة، وتستنزف القدرات الاقتصادية والموجودات النقدية، واذا ما استمر الوضع على هذه الحال (ويبدو أنه كذلك ما لم تتخذ اجراءات وقرارات جريئة وسريعة للانقاذ)، فإننا مقدمون على حالة لا تستطيع الدولة معها الوفاء بالتزاماتها داخلياً وخارجياً.
من هنا، فإن سياسة انتظار المجهول، والتردد في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، لا يمكن أن تكون الحل الأمثل للتحديات الجسام التي تواجهها بلادنا، والمرشحة للتفاقم في المستقبل. كما أن المعارضة العدمية، والتشكيك في كل ما يطرح من أفكار ورؤى، من منطلق الخوف من الفساد والفشل، أصبحت - وللأسف- السمة السائدة في مواجهة كل المبادرات والمشاريع، لنصل في المحصلة الى حالة الشلل، واختيار الطريق الأسهل وهو الجمود واللامبالاة، وعدم رغبة المسؤول في تحمّل المسؤولية. والمحزن حقاً أن تبقى بلادنا أسيرة للصوت العالي الرافض لكل شيء، بعيداً عن الموضوعية والحقائق والمعطيات الواضحة وضوح الشمس، وليكون الضحية، في المحصلة، الوطن والمصالح العليا للشعب ومستقبل أبنائه وبناته.
إن كاتب هذه السطور، كغيره من غالبية أبناء الشعب، على قناعة تامة أنّ المواقف تجاه المشاريع الاستراتيجية الوطنية، كتلك المتعلقة بالطاقة، لابد ان تعتمد في أساسها على الدراسات المتخصصة من قبل أهل العلم والمعرفة، بما في ذلك الاستعانة بالخبراء من الداخل والخارج. ولكنها في الوقت نفسه، ليست موضوعا ًللنقاش، والعصف الفكري، والجدل البيزنطي، كأي موضوع يتناوله العامة في حياتهم اليومية، لان ذلك يرقى الى ما يسمى "بارهاب الموقف".
فالمسألة لا تتحمل المناكفات، واصدار البيانات، وتوظيف وسائل الاعلام المختلفة، والتحشيد الذي لا ينتج، في المحصلة، سوى العدمية في المواقف والقرارات. لكن، وفي المقابل، من حق الناس الاطلاع على الحقائق بشفافية كما هي، بشرط أن تكون من خلال الخبراء وأهل العلم والاختصاص، تجنباً للتضليل والاشاعة، التي قد يمارسها المغرضون وأصحاب الأجندة الخاصة، الذين ينتهجون السلبية والتشكيك، كأسلوب تعامل مع الدولة ومؤسساتها، وهم في الوقت ذاته عاجزون عن تقديم أية أفكار أو بدائل عملية تساهم في ايجاد الحلول المناسبة للمشاكل والقضايا التي تواجهنا، والتي تأخد بالاعتبار طبيعة وحجم التحديات التي يئن من وطأتها الوطن.
والمؤسف حقاً أن تبقى الدولة أسيرة هذه المعادلة المشوّهة، والتي تتحكم بآليات التعامل مع قضايانا الحيوية والاستراتيجية الكبرى، وكأن هناك من ابناء جلدتنا من يريد (عن وعي أو غير وعي) أن يفقد هذا البلد قراره السياسي المستقل، من خلال استمرار تفاقم مديونته، وبالتالي، تكريس تبعيته الاقتصادية، وهذا لا يمكن أن يكون في مصلحة الوطن ومستقبل أجياله.
لقد آن الأوان أن ينتهي هذا الجدل العقيم، فمشاريع الطاقة الاستراتيجية هي الضمانة الحقيقية لانطلاقة الأردن نحو التنمية الشاملة والتقدم والازدهار.
*نقيب الاطباء الأسبق
Dr.zuhair@windowslive.com