لم ينفذ التعداد العام للسكان والمساكن في الأردن، والذي كان من المفترض أن يتم هذا العام، بعد مرور عشر سنوات على آخر تعداد أجري في البلاد، في العام 2004. وعلى الرغم من أن الحكومة أعلنت حينها أسباب هذا التأجيل، إلا أن الأسباب في المجمل سياسية، بغض النظر عما قيل من مبررات. وفيما يتطلب قانون دائرة الإحصاءات العامة للعام 2012 إجراء التعداد العام كل عشر سنوات، فقد أعلنت دائرة الإحصاءات تأجيل التعداد إلى العام المقبل 2015، على أن ينفذ إلكترونيا لأول مرة.
تبرز أهمية التعداد هذا العام تحديدا أكثر من السنوات العشر الماضية، لما كان يمكن أن يقدمه من أرقام ومؤشرات واقعية، بعيدا عن التقديرات السنوية، وسط حالة التخمينات والأرقام المتضاربة حول التحولات الديمغرافية المفاجئة التي شهدها الأردن خلال السنوات الأخيرة، وما ارتبط بها من كلف اقتصادية واجتماعية على المستويات كافة. فقد أربكتنا الأرقام التي تتدفق من قبل وسائل الإعلام وبعض المصادر المحلية والأجنبية، وحتى من خبراء وناشطين، بشأن كلف الزيادات السكانية القسرية في مجملها، وكلف موجات اللاجئين على التعليم والصحة والبنى التحتية تحديداً، حتى وصلنا إلى الخلاف حول عدد سكان الأردن اليوم.
الأهم من ذلك، هو كيف نضع خطة اقتصادية لعشر سنوات مقبلة من دون قاعدة معلومات دقيقة حول السكان والمساكن كما هي على الأرض، بعيدا عن التقديرات أيضا؟ وكم كان سيكون عمل اللجان التي تقوم بإعداد تلك الخطة أو الرؤية أكثر مهنية وأدق علميا لو أجري التعداد هذا العام، كما كان مخططا له.
على مدى عشرين عاما، بقي عدد سكان المملكة يتراوح بين أربعة ملايين إلى ستة ملايين نسمة. وكل التقديرات وحسابات المتواليات السكانية لم تذهب إلى ما وصلت إليه الأحوال اليوم. وحسب تقرير لم ينشر للزميلة ربا زيدان، وأيضا حسب مصادر موثوقة، فإن عدد سكان المملكة بلغ حتى تموز (يوليو) الماضي 9.6 مليون نسمة. وحسب نسبة النمو المفترضة وتقديرات دائرة الإحصاءات العامة السابقة، يفترض أن عدد سكان الأردن اليوم 6.6 مليون نسمة. وحسب دائرة الأحوال المدنية، يبلغ عدد السكان الأردنيين 7.175 مليون نسمة، منهم نصف مليون يعيشون خارج البلاد. وفي المجمل، هناك نحو 3 ملايين من السكان غير أردنيين؛ من مقيمين وضيوف ولاجئين، يشكلون نحو 32 % من عدد السكان الكلي، منهم 15 % سوريون، و5 % عراقيون، والبقية من جنسيات أخرى.
الأمر المهم هو: كيف يمكن أن يخطط للبلاد اقتصاديا (والتخطيط الاقتصادي يعني تخطيطا للمجتمع بأكمله)، في ضوء حالة طوارئ لا أحد يعرف إلى متى تستمر، وماذا تخفي من مفاجآت أخرى؟ وهل يمكن لبلد بحجم موارد الأردن أن يستمر بهذا النمط من الإدارة الحرجة للمستقبل والموارد؟
ثمة فوضى في الأرقام العامة حول السكان والمساكن والاقتصاد، من دون وجود قواعد معلومات علمية موثوق بها وسط تحولات قسرية سريعة. ومثل هذا الموقف يعد مصدرا أساسيا للضعف في مواجهة المجتمع الدولي ومطالبته بالوفاء بالتزاماته، لأن من لا يدري لا ينتظر من العالم أن يعرف حقوقه.