تعاملت هيئة مكافحة الفساد وفق تقريرها السنوي مع 1808 شكاوى وأخبار خلال العام الماضي، حفظت 1151 شكوى منها، وحققت في 230 قضية حولت منها 74 قضية الى المدعي العام، نصف هذه القضايا في القطاع الخاص.
لا أعرف ما إذا كانت صفة الوشاية الكاذبة تنطبق على المحفوظ من القضايا، لكن من المؤكد أن فتح الباب على مصرعية، وفر حتى الأن بيئة خصبة لشيوع « الوشاية « وبينما كان الرأي العام يتناقل كما النار في الهشيم أنباء سقوط فاسد هنا أو هناك لم نسمع بأن واشيا كاذبا قد عوقب، فالوشاة يفلتون ولا يذكرهم الرأي العام بسوء بينما يكمل الأبرياء مسيرتهم كمنبوذين حتى بعد حفظ القضايا .
الوشاية الكاذبة هي التبليغ الكاذب الذي يكون المراد منه إلحاق ضرر بالمبلغ ضده، وذلك بنقل أخبار لا أساس لها من الصحة إلى السلطات المختصة مع علم المبلغ بزيفها وقد جرمتها قوانين دول كثيرة حتى أن عقوبتها في بعض الدول تساوي عقوبة قضايا الفساد المثبتة .
إنتعشت مجتمعات الوشاية، في ظل الربيع العربي وكانت الوجه الأسوأ فيه، فسارع ألاف المواطنين الى الابلاغ عن أخرين مع تشريع هيئات مكافحة الفساد التي أنشئت في كثير من البلدان لنوافذها وأبوابها دون حساب، في حالة تشبه مجتمع الرعب الذي ولد من رحم الثورة الفرنسية وكانت الوشاية كافية لأن تساق رقاب الألاف الى المقصلة .
كان التشجيع وحماية المبلغين بحكم القانون كفيلان لأن يرمي من يشاء من شاء بحجر، فكل ما عليه أن يفعل هو أن يدفع بشكوى أو ببلاغ عبر البريد الالكتروني أو في صندوق خاص دون أن يذكر إسمه، أو بالمثول شخصيا أمام لجان خاصة «قبل أن يعود الى بيته» لتبدأ بعدها معاناة غيره .
بعض البلاغات كيدية، إذ كان مجرد خلاف بين رئيس ومرؤوس كافيا لبناء قضية فساد، وقد أقرت الهيئة في تقاريرها المتعاقبة بهذه الحقيقة، لكن حفظها بعد التحقق يعلل دائما بنقص الأدلة دون ذكر أو إعتراف بأن البلاغ لم يكن الا وشاية كاذبة تستحق العقوبة ,
يستسهل الشكاة والمبلغين لدوافع كيدية العملية وهم غالبا ما ينتقون عناوين فضفاضة عامة تحتمل الشك أكثر مما تنطوي على اليقين وفي ذهنهم الحماية من الملاحقة بإعتبار أن ما حصل هو ظن وأن بعض الظن إثم لا يرتقي الى مرتبة الجريمة، ومثال ذلك أن قضايا المساس بالمال العام إحتلت المرتبة الأولى في إحصائيات تقرير الهيئة الأخير بعدد 91 لتأتي تهمة اساءة استعمال السلطة بالمرتبة الثانية بعدد 31 وثالثا استثمار الوظيفة 28 قضية ثم الاخلال بواجبات الوظيفة بنحو 15 قضية ..
qadmaniisam@yahoo.com