في عددها الأخير خصصت مجلة (فورين أفيرز) حزمة مكونة من ستة مقالات طويلة لموضوع واحد هو اضمحلال أميركا وتراجعها محلياً وعالمياً وفي جميع المجالات، حتى يخيل للقارئ أن أميركا على وشك الانهيار والسقوط عالمياً على طريقة الاتحاد السوفييتي، فهل كان هؤلاء المفكرون الستة يكرهون أميركا ويبشرون بقرب انهيارها، أم أنهم حريصون على حاضرها ومستقبلها.
النقد الذاتي ثقافة إيجابية تضع القادة والمسؤولين تحت الضغط، وتشـير إلى مواطن الضعف قبل أن تتطـور إلى درجة الخطورة، وبالتالي فإن التحذير من السقوط هو أفضل الوسائل للحيلولة دون السقوط، أما تبرير العيوب ونقاط الضعف والتغطية عليها فيؤدي إلى المزيد منها، والتقاعس في علاجها.
إذا كان النقد الموضوعي وسيلة للتحذير ومنع الانحرافات وتصحيح المسارات، فإن المديح في غير محلة وسيلة للتخدير، بحيث يرضى المجتمع عن نفسه وعن نقاط ضعفه، ويعتقد أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، وكل المطلوب هو الاستمرار في نفس المسار.
تذكرني هذه المواقف المتقابلة بما جاء على لسان صحيفة إسرائيلية من أن العرب يحولون كل هزيمة إلى انتصار ويحول الإسرائيليون كل انتصار إلى هزيمة.
نلاحظ هذا بعد كل حرب عربية إسرائيلية ابتداءً من 1948 وانتهاءً بـ 2014، ففي كل مرة احتفلنا بعيد النصر ومجـّدنا القادة الفاشلين والمهزومين، مما يمهد الطريق أمام هزائم أخرى قادمة، واعتبرنا أي نقد للأوضاع العربية بمثابة جلد للذات.
التوقعات هي التي تفسر هذه الحالة، فالرأي العام العربي في غاية التواضع ولا يطلب أكثر من الصمود لبضعة أيام أو أسابيع، ولا يتمنى أكثر من وقف إطلاق النار والاحتفال بالانتصار، في حين يريد الرأي العام الإسرائيلي انتصاراً كاملاً وكاسحأً وإلا اعتبره فشلاً وحاسب القادة على تقصيرهم وحملـّهم المسؤولية.
في العـدوان الإسرائيلي الاخير على قطاع غزة حققنا نصراً مؤزراً، فصمدنا تحت الضرب 50 يوماً، ولم يقتل سوى 30 فلسطينياً مقابل كل إسرائيلي، ولم يدمر سوى 17 ألف منزل، ولا يزيد الدمار في القطاع عن 8ر7 مليار دولار