رداً على وزيرة الداخلية البريطانية
ماهر ابو طير
07-09-2014 03:11 AM
تكتب وزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماي مقالا في «تلغراف» البريطانية تعترف فيه ان اكثر من خمسمئة بريطاني سافروا للقتال في العراق وسورية، وانه تم حتى الان سحب جنسيات ثلاثة وعشرين شخصا منهم، باعتبار ان هؤلاء بريطانيون مجنسون، وليسوا بريطانيين أصليين!.
تقول الوزيرة في مقالها ان الحق الملكي البريطاني يبيح للحكومة سحب الجنسيات، كما ان من صلاحياتها كوزيرة سحب الجنسيات، بالاضافة الى أن من يحملون جنسيات مزدوجة بريطانية واخرى يكون سهلا سحب جنسياتهم فوق الملاحقة القضائية.
تسأل في مقالها سؤالا مهما، اذ تقول انها تريد ان تعرف ما الذي يدفع هؤلاء للذهاب للقتال في هذه المناطق، والسؤال مفتوح على اجابات مختلفة، خصوصا، ان الجيل الذي يترك بريطانيا او دول غربية، ويذهب للقتال، اغلبه من الجيل الثالث من المهاجرين؟!.
بداية لابد من الاشارة هنا، الى ان اول من اسس لفكرة القتال تحت مظلة جهادية، كان الغرب عموما، وهذا الزرع الذي نراه اليوم هو نتاج لما رأيناها في افغانستان خلال الوجود السوفياتي، وتسهيلات الغرب لالاف الشباب للذهاب والقتال ضد الاتحاد السوفياتي باعتباره دولة كافرة، ولقيت هذه التسهيلات دعما ماليا وعسكريا ودينيا، من اغلب الدول العربية، التي فتحت دولها مراكز دعم وتبرع ومساندة لهذه الجماعات، والسحر هنا ارتد على الساحر!.
هذا يعني ان ما نراه اليوم، فرع من اصل، وذاك الاصل وعلى الرغم من جذوره التاريخية، الا ان رعايته في هذا العصر تمت على يد الغرب، اولا.
ثاني النقاط المهمة ما يتعلق بسحب الجنسيات، فهذا يؤشر من جهة ما، على عقم الحلول، لان سحب الجنسية قد يكون سهلا بحق من يحارب مع هذه الجماعات، اذا كانت جذوره اسلامية او عربية، وماذا بامكان الوزيرة ان تفعل لو كان المقاتل بريطانيا، اعلن اسلامه، وجذوره لا تنتمي لهذه المنطقة، اساسا، فهل يمكنها هنا ان تسحب الجنسية من بريطاني من لندن او كارديف او اي منطقة اخرى؟!.
سحب الجنسيات هنا، تخويف لابناء الجيل الثالث من المهاجرين عمليا، لكنه يقر فعلياً بكون الجنسية هنا، من طبقتين، او درجتين بهذه الطريقة في اهم ديموقراطية غربية.
النقطة الثالثة التي تنفق فيها مع خلاصات مقال الوزيرة تتعلق بالسؤال حول الذي يدفع الجيل الثالث من ابناء المهاجرين في بريطانيا والغرب، للتخلي عن كل حياتهم وامتيازاتهم، والذهاب للقتال، وهذا يؤشر على خلل يتعلق بكون الجاليات العربية والاسلامية متحوصلة، وهذا مانراه في بريطانيا، في احياء وجمعيات ومظاهر واضحة، فلم ينصهر هؤلاء في المجتمع البريطاني، ولم يقبلهم هذا المجتمع ايضاً بشكل كامل.
غياب الدولة سياسيا واعلاميا عنهم بغير الحقوق والواجبات، وضعف الاتصال، انتج جيلا يشعر بالفراغ، فلا هو بريطاني تماماً، ولا هو منسوب تماماً الى هذه المنطقة، وهذا يفرض مراجعة الحلول كلياً، بغير وسائل المراقبة، او الملاحقة القضائية، او اللجوء الى الواجهات المعتادة غير المؤثرة في بريطانيا، من اسماء وجمعيات وشخصيات اجتماعية، اذ ان هناك هوة في الاتصال، والتجسير هنا، قد يلغي اغلب مظاهر المشكلة، بين بريطانيا ومواطنيها المسلمين، وهذا تجسير لايتم عبر افطار رمضاني يقيمه ولي العهد البريطاني، مثلا، بل الحاجة لما هو اعمق، من اللفتات.
عدد المقاتلين الاجانب، من حملة الجنسيات الغربية في العراق وسورية، تصل تقديراتهم الى عشرين الف شخص، والرقم يصب في اطار اليمين الغربي الذي يحذر من الجاليات، لكنه يفرض على الغرب عموما حلولا لا تتوفر حتى الان، لان كل الحلول من التلويح بسحب الجنسيات، وصولا الى الملاحقة القضائية، لم تخفف من هذا الاندفاع.
سؤال الى وزير الداخلية البريطانية: بماذا سيؤثر التهديد بسحب الجنسية، على انسان يترك كل شيء، ويذهب للموت،والاجابة سهلة، و في هذا الاجراء، مساس بحقوق المرء القانونية وان كان مجرما، كما ان الردع في هذا الاجراء يبدو هو المفيد جزئيا، فقط، حتى لحظة اتخاذ القرار بالهجرة للقتال، ولحظتها لن ينظر المرء خلفه؟!.
سؤال وزير الداخلية البريطانية، لا يختلف عن مضمون السؤال الذي وجهه الامريكيون بعد احداث سبتمبر تحت عنوان يقول «لماذا يكرهوننا» وعلينا ان نلاحظ ان كل الاجابات سطحية، ولم تصل الى عمق الواقع، من اجل تعديل المشهد وما فيه من ملاحظات؟!.
في بريطانيا قصة تختلف عن الولايات المتحدة، فالاسلام هو الثاني في بريطانيا، وهذا يفرض على لندن، عقلا استراتيجيا، يعيد التفكير بكل قصة الجيل الثالث، للتخلص من اي اخطار قد تضر الداخل البريطاني، وفي هذا الضرر شمول ايضا للمسلمين، وليس لبقية مواطنيهم البريطانيين فقط، لكننا هنا نقول ان اسهل الحلول تلك الامنية وتلك القائمة على سحب الجنسيات والمحاكمات، والاصل البحث عن حلول جذرية تنزع الاخطار،جذريا، دون التهديد بالاجراءات، او مناخات اضافية من الخوف والشكوك والكراهية.
على الوزيرة ان تلاحظ انه كلما سحبت جنسية مقاتل، كلما سافر عدد اكبر، وعليها ان تسأل عن هذه النتيجة العكسية قبل كل شيء؟!.
(الدستور)