فجأة وبلا مقدمات، تعرضنا لهجمة مهرجانات احتفالية يقال إن شبابا يريدون إقامتها هنا أو هناك، وجلها مهرجانات تحاكي طقوسا غربية، وغريبة عن مجتمعنا الأردني.
خلال شهرين فقط تعرفنا على أشياء جديدة كليا علينا، بدأت بمهرجان للألوان، مرورا بآخر للطماطم، وثالث للبيرة، وآخرها كما يقال كان حديثا عن مهرجات تعري!!، نعم تعري!!.
لا في العام الماضي، ولا الذي سبقه، لم نسمع بمثل تلك المهرجانات، رغم أن البيئة الحاضنة هي نفسها، ورغم أن عاداتنا لم يطلها الكثير من التغيير باتجاه الذهاب نحو غير المألوف.
ترى ما الذي حدث؟، ولماذا تلك الهجمة على إقامة تلك الطقوس الآن؟ وما الذي تغير عندنا حتى يصبح الحديث عن تلك المهرجانات الاحتفالية على كل لسان، وفي كل موقع تواصل اجتماعي؟!، حتى إن الجهات المعنية، وأمام ارتفاع وتيرة الحديث عن تلك الطقوس خرجت علينا لتؤكد أنها لم تستقبل أي طلب لإقامة تلك المهرجانات، ونفت محاولة أية جهة للتقدم بترخيص لمهرجان من هذا النوع.
حسنا، إذن لماذا تصبح إشاعة وجود تلك المهرجانات حديث الناس في مجالسهم الخاصة، ومادة حوار على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى موجات الإذاعات، وأوراق الصحف والمواقع الاخبارية؟!، ويذهب الرأي العام وراء كلام سواده غير موثق وتصبح إقامة تلك المهرجانات وكأنها أمر حقيقي، او كأنها أقيمت فعلا.
اليس من واجبنا أن نسأل أنفسنا أولا، من يريد أن يخطف منا مجتمعنا ويوهمنا أن تغيرات كثيرة وضارة وغير مألوفة قد طرأت عليه فجأة خلال شهرين، ويخبرنا أننا بتنا مكانا لإقامة مهرجانات غربية كانت مرفوضة اجتماعيا عندنا، لا بل كانت مادة تسلية لنا عندما كنا نشاهدها على شاشات التلفاز في مناطق مختلفة في العالم؟! من يريد إيهامنا أن تلك الأمور اصبحت بين ليلة وضحاها لدينا، ويقول لنا إن هناك من يريد إقامة مهرجانات للتعري وللبيرة والشورتات وغيرها عندنا؟!.
شخصيا، لا أناقش تلك المهرجانات من حيث حرية إقامتها من عدمه، لأنني على يقين أن الكلام فيها سراب، ولكني أناقش السبب وراء الاندفاع الذي حصل عندنا خلال شهرين لتواتر الحديث عن تلك الأمور، وأفكر فيمن يريد أن يقول لمجتمعنا المحافظ الذي لم يخرج عن محافظته للآن، ولم يصل لبداية الدولة المدنية، يقول لمجتمع ما تزال تحكمه مجالس الصلح العشائري، وما تزال الجلوة عنصرا أساسيا فيه، من يريد أن يقول لنا إن تلك الأمور تحصل عندنا؟!.
لنسأل انفسنا، من يريد أن يقول لنا إن بعضنا قد تخلى عن محافظته، ولم يذهب باتجاه الدولة المدنية العصرية التي تقوم على القانون والحقوق الانسانية، ولكنه ذهب نحو شطط أبعد بكثير من كل ذاك، باتجاه إقامة حفلات تعرٍ وبيرة وغيرها.
بطبيعة الحال ليست تلك الحفلات هي عنوان الدولة المدنية التي نريدها، وإنما عنوان دولتنا المدنية التي نسعى إليها هو خلاف ذلك تماما، فالمدنية عنوانها مواطنة وحقوق انسانية ومساواة وعدالة اجتماعية، وأن يكون للقانون اليد الطولى في كل مناحي الحياة.
ترى من يريد أن يخوفنا، يرعبنا، يتطاول على أحلامنا من خلال زرع ترهات عقيمة حول مهرجانات مرفوضة اجتماعيا وتصويرها على أنها نتاج الدولة المدنية المنشودة.
أعتقد أن تلك الترهات وارتفاع وتيرة الحديث عنها خلال شهرين، يستفيد منه جهتان لا ثالث لهما، الأولى أولئك الرافضون للإصلاح والحداثة والتطوير، والدولة المدنية الذين لا يريدون أن يأخذ الإصلاح مداه أو أن يستقر ويسود، ويصبح مرحلة حياة أساسية، والجهة الثانية هم أولئك الظلاميون الذين لا يؤمنون بالحريات أصلا، ويكرهون الحياة، ويريدون تحويل كل إنجاز مدني وحضاري وكأنه دعوة للتعري واللاأخلاق، والفسوق، وكل تلك المسميات التي يجيدون استخدامها في أدبياتهم، ويعملون على إيهام الناس بها!!.
لنستفق، ونحارب أولئك أعداء الحياة وأعداء المدنية.
(الغد)