بقيةٌ من صحو .. *ناهض الوشاح
06-09-2014 03:49 AM
يتدّلى شحوبك خلف ظلك ... يغتالك فرح عابر وأنت عائد من مواعيد صغيرة ، تحمل كتابا لم تقرأه بعد ولكنك تشعر أن الكتاب يقرأك بمجرد تعثرك بعنوان شرفة الهاوية ... تتلمس خُطاك وأنت تعود بذاكرتك إلى الأمام ... بعثرتك طيور الحذر وأعادك ابراهيم نصرالله الى وعيك في زمن الخيول البيضاء... من قال أن الوعي سبب كاف للنجاة دائما .
تسترد عافية تسكعك وأنت تجلس في المسرح الكبير... تستعيد ذاكرتك السمعية بابتهالات سميح القاسم تتدحرج كحبات لؤلؤ خبأها لنا جميعا ... (فيارب بارك براكين روحي وأسعف جروحي )... هولم يكن يعلم لكنه كان يحُس بأعماق روحه أنه اللقاء الأخير ... الكلمات الأخيرة على المسرح ... لم نودعه ... انشغلنا بمصافحة عيوننا لللديكور والكراسي والوجوه التي لا نعرفها ورحل عنا سميح وهو يركض صوب بلاد تحمله ولا تحملنا.
للفرح مواعيد صغيرة وللحزن مواعيد كثيرة وما قد يبدو لك خسارة ... قد يكون ربحا من نوع آخر .. يتجلّى بالتفاف القلوب الرقيقة حولك وبمساحة تكفي لأثنين يجلسان على الرصيف يُشبعان رغبة في الحديث عن كل شيء وينسون أنفسهم .
تواصل طريقك وأنت تتأبط فكرة في مدينة ... مدينة قفص ... القفص في قاع الهاوية ... تصطك قدماك بالأرض ... تُحاول قدر المستطاع أن تسد أنفك ... يبدو أن الشوارع مليئة بفائض (خراء الناس ) ... التخمة والأستهلاك يفعلان أكثر من ذلك يُغنينا حتى عن التفكير .
تحاول كتم أنفاسك ...لكن الرائحة تصلك رغن أنفك ... قمة المقاومة الوصول إلى بيتك بأقل الخسائر .
يذرفك الليل وأنت تبحث عن شيء لا يجدك ... أو حتى لا تعرفه لأن هسيس النهار مازال يركض في باحات رأسك ... باعة يصرخون ..نُكات لزجة من رفقاء ثقيلي الظل تشبه مخاط يسيل على فم طفل خرج إلى عتبة الدار ولم يجد أمه ... أو أُمّته .
يبدو أن الليل طويل ولا يريد الأنتهاء ... خربشات من الرؤوس تصطف على جانبي الزقاق الموصل إلى بيتك .. تُحاول تمالك نفسك ... هم ليسوا اشباح ... كومة من الناس ... تستجدي معجزة لن تأتي ... تُهمهم بكلام عزاء ... يبدو أن أحدا لا أعرفه مات .
تقترب أكثر لتكون قاب خطوتين من صوت سمعته قبل هذه المرة ... ترد السلام على استحياء ... تتمالك نفسك وتسأل بهلع ... طريقة تستخدمها حتى مع نفسك لتقنعها أن الأمر يعنيك كثيرا وأنك متأثر جدا بما حدث ... يُجيبك الصوت الذي تعرفه ... ابنة الجيران ماتت . يتراقص الحزن بدمعتين لا تعرفان المخرج وتدعوا لها بالرحمة ...
تتشبث بما تبقى لك من صحو لتصل ... تكمل طريقك حتى تجد نفسك في غرفتك ... تنظر إلى ساعة الحائط يبدو أنها متوقفة منذ آخر صرخة طفلة وجدت نفسها بلا أهل ولا بيت ... لا يهم كم الساعة في الطرف الآخر من العالم ... على أشلاء وشهداء غنت الشعوب وعلى صفيح ساخن يجلس شعب حفظ اسمه كل أموات العالم وأحيائه ...
مملوءاً بكل الأسئلة المستحيلة .. أحاول الفكاك منها ... لكن الجراح مازالت عالقة على أجساد أطفال ينتظرون العودة إلى وطن كان يسمى فلسطين ... مازال يسمى فلسطين ... لكن فلسطين تسأل مثلي لما كل هذا الموت لمن لا يملك حتى قوت يومه ... ومن يملكون يصفقون وينددون ... ويعيشون .
تُلملم بقاياك ... تردد في سرك أي عالم مسعور ... تريد الخروج منه ... تحاول التحرر ... لكن صوتا يناديك لما كل هذا التأخير ... أين كنت ؟؟
يُغمد الصمت سكينه في حلقك ... وتنزع حذائك الذي يربطك بالأرض ... وتندس في الفراش كي لا يعلو الصراخ ... فالموت قريب من بيتك والمعزون جاهزون دائما .