خططت الحكومة، بشكل ملتوٍ وذكي، لتمرير قانون الضريبة كما تريد؛ فسعت إلى جعل النواب يخوضون معركة القانون بدلا من دخولها هي في مواجهة مع أصحاب المداخيل المتوسطة.
والهدف هو أن تُبعد عن نفسها شبهة الجباية التي تلاحق رئيسها تحديداً منذ التشكيل الأول لحكومته.
ما فعلته الحكومة هو أنها نسّبت بمشروع القانون للنواب بصيغة تبقي على حجم الإعفاءات للأفراد والأسر كما هو، لكنها سعت من خلال نواب إلى فرض رؤيتها الأصلية التي كانت تقضي بتخفيض الإعفاء للأسرة من 24 ألف دينار إلى 20 ألف دينار، وهو ما حدث بالفعل.
فالتعديلات التي أُقرّت من قبل اللجنة الاقتصادية النيابية، وستتم مناقشتها الأسبوع المقبل في مجلس النواب، تتضمن ما كانت تدعو إليه الحكومة قبل تقديم القانون للمجلس؛ ما يضع النواب اليوم في مواجهة مع الطبقة الوسطى التي سيعتريها مزيد من التآكل بفعل التعديلات "النيابية" التي تم إدخالها على مشروع القانون.
إلى ذلك، تدافع الحكومة عن توجهها بتخفيض الإعفاء الذي سيضر بالمستوى المعيشي للأسر، عبر الاستناد إلى نظرية قديمة يتبناها خبراء، وتتعلق بتخفيض الإعفاءات على الأفراد. وجوهر هذه النظرية أن قانون الضريبة المعمول به سخيّ جدا بإعفائه 95 % من الأفراد من ضريبة الدخل، تبعا لحجم الإعفاءات الممنوحة حاليا والمقدرة بمبلغ 24 ألف دينار سنويا للأسرة، ونصفها للفرد.
ما يقوله هؤلاء الخبراء صحيح، باستثناء أنهم يسقطون من الحساب أشكال الضرائب والرسوم الأخرى التي يسددها الفرد الأردني، والتي ترفع العبء الضريبي على المكلف إلى ما نسبته 33 % من إجمالي دخله، بحسب ما تؤكد أكثر من دراسة حكومية ومستقلة.
توزيع الإعفاءات بحسب المقترح النيابي، يبدو على النحو التالي: إعفاء أول 10 آلاف دينار للفرد المكلف، و10 آلاف دينار للمعالين، و4 آلاف دينار مقابل فواتير الصحة والعلاج والتعليم.
نظام الفواتير يبدو تعويضا عن التخفيض الحاصل. لكن ما أغفلته اللجنة النيابية هو قضية إعفاء السكن، خصوصا أن الإعفاءات لم تتضمن تكاليف السكن الذي يقترض معظم الأردنيين لتوفيره، ويصنف ضمن الاحتياجات الأساسية للإنسان. ومن ثم، تبدو إعادة النظر في هذه الجزئية ضرورة، لدورها في منع ظلم المكلفين وتحقيق العدالة لهم، إضافة إلى أن هذه الجزئية تلعب دورا مهماً في دعم الطبقة الوسطى أو الحفاظ عليها بالحد الأدنى.
المادة (11) من مشروع قانون ضريبة الدخل تنصّ على أن يتم استيفاء الضريبة عن الدخل الخاضع للضريبة للشخص الطبيعي بنسبة 10 % عن كل دينار من العشرة آلاف دينار الأولى، و15 % عن كل دينار من العشرة آلاف دينار التالية، فيما تصل النسبة إلى 20 % عن كل دينار تليها.
القضية المهمة التي سعى النواب إلى إدخالها تتعلق بنظام الفوترة، وهو أساس محاصرة التهرب الضريبي. لكن المشكلة أن الحكومة ربطته فقط بالإعفاءات المستحقة للأفراد، ما يقلل من أهمية النتائج التي سيحققها؛ كونه يقتصر على منح إعفاء الأربعة آلاف دينار للفرد من الضريبة في حال أحضر فواتير التعليم، بشقيه الجامعي والمدرسي، وفواتير العلاج التي دفعها خلال العام.
الحكومة بالطريقة التي اتبعتها تظهر كحمل وديع، لا يقترب من مداخيل الأسر ولا يضر بها، فيما ينقضّ النواب على قواعدهم الانتخابية وينهكونها بقانون يزيد العبء الضريبي عليها.
بالمحصلة، قانون الضريبة الجديد لن يحلّ التشوهات في النظام الضريبي، لأن العمل كان مجتزءا؛ إذ لم تراجع الحكومة كامل النظام، واقتصر عملها على إقرار قانون ضريبة جديد خضوعا لمتطلبات صندوق النقد الدولي. أي لم تكن الخطوة وجبة إصلاحية كاملة الدسم.
طالما أن الحكومة تعجز عن تنفيذ رؤية الملك بتحسين حياة الناس، من خلال تحقيق معدلات نمو مؤثرة، فقد كان الأَولى بها أن تخفف العبء الضريبي عن الناس، لا أن تزيده في هذه المرحلة الحساسة والحرجة.
(الغد)