أمَّا وقد ذهبت منظمة التحرير، رغم كل «المحاذير» والتخوفات، بطلب إلى مجلس الأمن الدولي لإلزام إسرائيل بالإنسحاب من الأراضي الفلسطينية التي احتلت في حرب عام 1967 خلال ثلاثة أعوام فإنه على العرب كلهم أن يقفوا إلى جانب هذا الطلب وأن يبادروا إلى التحشيد له والضغط على الولايات المتحدة كي لا تبادر إلى حماية الإحتلال الإسرائيلي بإستخدام حق النقض الـ»فيتو» كما بقيت تفعل على مدى عقود الصراع مع الإسرائيليين الذين استمرأوا هذه المواقف الأميركية وواصلوا تحدي العالم كله.
كانت الأمم المتحدة قد اتخذت قراراً اعترفت بموجبه بدولة فلسطينية تحت الإحتلال وبتمثيل هذه الدولة بصفة مراقب في الهيئات الدولية التابعة لها وهذا يجب أن يستخدمه العرب ومعهم أصدقاء القضية الفلسطينية في العالم كله للضغط ليس على إسرائيل فقط وإنما أيضاً على الولايات المتحدة التي لولاها لما بقي هذا الإحتلال جاثماً على أرض الشعب الفلسطيني كل هذه السنوات الطويلة ولما بقيت هذه المفاوضات العدمية مستمرة منذ نحو منتصف تسعينات القرن الماضي دون أي نتيجة.
إنها معركة لن تكون سهلة على الإطلاق.. لكن لابد من خوضها ولابد من إفهام الولايات المتحدة بأن حمايتها للإحتلال الإسرائيلي ولإسرائيل كل هذه السنوات الطويلة هو في حقيقة الأمر السبب الرئيسي لكل هذا الإرهاب الذي يضرب المنطقة فهذه التنظيمات ، التي لم يعد بالإمكان حصر أسمائها لكثرتها وتكاثرها، كلها تستخدم فلسطين وقضية فلسطين مبرراً لما تقوم به من جرائم ومن إرهاب إكتوت به هذه المنطقة واكتوى به الغرب واكتوت به أميركا.. مرات عديدة.
إنه لم يعد مجدياً ولا جائزاً الإستمرار بهذه المفاوضات «الماراثونية» العبثية التي بقيت تتراجع مع الوقت لحساب استمرار الإسرائيليين بتحدي الفلسطينيين وتحدي العرب والعالم كله بمواصلة الإستيطان ومواصلة عمليات التهويد وبخاصة لمدينة القدس التي من المفترض أنها عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة.. فماذا من الممكن يا تُرى أن يفعل الفلسطينيون وتفعل منظمة التحرير والسلطة الوطنية إزاء كل ما بقيت تقوم به إسرائيل وبحماية أميركية؟!.
لقد بات مؤكداً وواضحاً أن إسرائيل قد إستمرأت قبول إستدراج «حماس» لها إلى حرب طاحنة على قطاع غزة كل عامين.. فالمطلوب بالنسبة للإسرائيليين وربما أيضاً بالنسبة للولايات المتحدة هو إبعاد الإهتمام العالمي عن القضية الرئيسية ، التي هي قضية الإحتلال الإسرائيلي لأرض الشعب الفلسطيني وقضية ضرورة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وإشغاله بحروب غزة المتلاحقة وبإعمار غزة وبـ»إنتصارات» غزة التي لا بارك الله فيها من إنتصارات ما دام أنَّ نتائجها هي هذه النتائج.
إنه لم يعد أمام الرئيس محمود عباس (أبو مازن) المنشغل بـ»إنتصارات»!! غزة وبنتائج هذه الإنتصارات إلاَّ أنْ يلجأ إلى هذه الخطوة «المُغَامَرة» وأن يذهب إلى مجلس الأمن الدولي بطلب إلزام إسرائيل بالإنسحاب من كل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها في حرب عام 1967 ووفق جدول زمني مدته ثلاثة أعوام.. وهنا فإنه على أميركا أن تدرك أن إستخدامها لحق النقض الـ»فيتو» مجدداً لحماية الإحتلال الإسرائيلي لأراضٍ أعترفت الأمم المتحدة بأنها دولة فلسطينية تحت الإحتلال سيعني ظهور ألف «داعش» في هذه المنطقة وسيعني أن هذا الإرهاب الذي يخبط خبط عشواء سيتوفر له المزيد من المبررات لمواصلة جرائمه.. والإنتقال إلى الغرب كله.. لقد تجاوزت تحديات واشنطن لهذه المنطقة وأهلها كل الحدود.. ولقد نفذ صبر حتى العرب الأكثر صبراً والذين قد تصل بهم الأوضاع إلى حدِّ رفع شعار :»عليَّ وعلى أصدقائي» الذين هم في حقيقة الأمر أكثر عداوة من ألدّ الأعداء!!.
(الرأي)