لعبة "أراب آيدول" والرقص في السياسة قل لي ماذا تشاهد أقل لك من أنت
مالك العثامنة
04-09-2014 01:20 PM
عمون - وها نحن الآن على بعد طبقي بوشار وما تيسر من التسالي والأطايب لمتابعة أحداث الموسم الثالث من البرنامج الجماهيري التوعوي الضخم، «أراب آيدول»، أو «محبوب العرب»، كما يطيب لمحبي التعريب مناداته به.
البرنامج ترفيهي بامتياز، وهو النسخة العربية لبرنامج أمريكي النشأة، أخذت مجموعة «أم بي سي» حقوق إنتاجه بالعربية، واستدعت في الموسمين الأولين نخبة النجوم المنتقين بعناية لترضي الذوق العربي المشتت بين أقاليمه المشتتة.
وبعد توظيف التنافرات والخلافات الجوهرية والعميقة بين عضوي لجنة التحكيم، مما جعل تلك المناوشات والملاسنات برنامجا جديدا يستقطب المشاهدين داخل برنامج أصلي هدفه استقطاب المواهب، وبعد استبعاد أحد هذين العضوين ضمن حسابات غير مخفية على أحد، ها نحن نطل على موسمه الثالث، مع عضو تحكيم جديد هو وائل كفوري، وبداية الترويج لمنافسة محتملة بينه وبين الوسيم أبوعيون جريئة حسن الشافعي، والتنافس بينهما قائم على من يقول «لأ» أكثر.
والحمدلله أن جعل «لا» حاضرة أخيرة في أمة «نعم».
وللتوضيح، أنا لست ضد البرنامج، بل أتابعه بالنسخ الأجنبية المتاحة لي عالميا، والنسخة العربية بإنتاجها الضخم، أتاحت إبراز أصوات رائعة، والأهم بالنسبة لي ولذائقتي الشخصية هو استخراج هذا الكم الهائل من كلاسيكيات الأغاني العربية الجميلة عبر الحلقات.. وفعلا أستمتع بتذكرها والاستماع إليها.
مشكلتي دوما مع التوظيف والهوامش التي أصبح الإعلام العربي محترفا بتوسيعها وتغليبها على الفكرة الأصلية، لغايات استقطاب المشاهدين، وتغييب الوعي مع الأكثرية منهم، لتصبح قضية العرب الأولى في مواسم «أراب آيدول»، من يقف مع من في لجنة التحكيم؟ والتخندقات الغبية مع أعضاء (أو أعداء) اللجنة أو المواهب المشاركة بناء على انحيازات جغرافية واضحة.. فيضيع المعنى.. وتصبح فكرة صناعة الترفيه كلها وبرمتها أضغاث «أحلام»!!
سيلفي فنانات وهن يستيقظن من النوم
ولأن الحديث ذو شجون، وعلى ضفاف الفضائيات، وفي سياق الحديث عن الإعلام العربي، يبقى الحنين سيد الموقف لزمن مضى قبل عصر الانترنت، كانت فيه وسائل الإعلام غير متاحة بسهولة لكنها متنوعة حسب الذائقة.
أتحدث عن ذلك، وأنا أرى عبر الـ»فيسبوك» ووسائل التواصل الاجتماعي هذه السهولة التي تمتلكها مجلات عربية لاختراق محيطي وعالمي بعناوين مرفقة بصور، والمحتوى تافه.
كان يا ما كان، هناك مكتبات «محدودة» في المدن والحواضر العربية.. وكان الحصول على مجلة سياسية يعتمد على موضوعها الأسبوعي الرئيس، والذي قد يجعلها محظورة ذلك الأسبوع فلا نعدم الحيلة للحصول على نسخة مصورة يتم تهريبها من أي قادم من بيروت أو القاهرة.
حتى المجلات الفنية، كانت معدودة ومعروفة، ويتسابق الفنانون والنجوم على تقديم الرضا للصحافة الفنية حينها، لا كما في زماننا الراهن، حيث استجداء الفنان من أجل تصريح يوضح نوعية المعكرونة التي يحبها هو المانشيت الرئيس.
طيب، سأجري تجربة الآن، أثناء كتابة هذه السطور، وسأفتح مباشرة على صفحة من صفحات التواصل الاجتماعي لمجلة «فنية» كما تدعي، وأرى آخر ما بثته من أخبار، أقل من دقيقة من فضلكم….
فاصل و نعود..
..عدنا،
ومعنا غنيمة خبرية كبيرة القيمة بمحتواها، فالخبر الأخير الذي بثته تلك المجلة واسعة الانتشار «وهي كذلك فعلا» عنوانه (مجموعة صور سيلفي لفنانات وهن يستيقظن من النوم).
هل أعلق أكثر؟؟
تفسير ما لا يُفسر في الإعلام
وعودة للفضائيات، لكن هذه المرة في صناعة الترفيه السياسي، نعم الترفيه السياسي، وهذا إعجاز إعلامي عربي بامتياز، ففضائياتنا الإخبارية استطاعت أن تتفوق في تلك الصناعة التي ابتكرتها ذات تشظ، وصار الحديث عن الانتماءات يشمل الفضائية التي تتابعها، بمعنى أن تقول لي أي فضائية تتابع لأقول لك من أنت!! وأي فضائية تهاجم لأعرف بالضبط توجهك!!
كنت أتحدث مع صديق منذ فترة، فبدأ حديثه معي بغضب وانفعال على خلفية حوار في برنامج حواري سياسي على فضائية عربية إخبارية، والحوار كان عن اليمن تحديدا، ومن أول سطرين في حديثه، كان واضحا تشربه سياسات تلك الفضائية وتبنيه مواقفها التي تناسب مزاجه الديني والعرقي والطائفي!!
طبعا لا جدوى من النقاش بعدها، خصوصا حين اتهمني – وقد خالفته في نقطة ما- أنني من جماعة فضائية «كذا».. بلا شك، هنا انتهى الحوار.. وبقي اليمن السعيد.. سعيدا بأزماته.
وشخصيا لا أفهم ما يحدث في اليمن، إلا أن الزميل جمال جبران بسخريته اليومية يقدم لي وجبة من الفهم المستساغ لخلطة أزمات لا مبتدأ لها ولا خبر.. ولا نقطة في نهاية السطر.
وربما كانت هذه إحدى فوائد وسائل التواصل الاجتماعي، أعني تفسير ما لا يفسر في الإعلام التقليدي، من خلال تعليقات واعية او ساخرة لاذعة بوعي تعطيك فكرة عن سخافة الموقف..لا أكثر، مما يقطع عليك مغامرة التورط في التفكير العميق والجدي والمفضي للجنون.
الرقص السياسي
وتبقى بعض الفضائيات اللبنانية سيدة الموقف في صناعة الترفيه، وإعادة إنتاج الكباريه السياسي الذي يعيد للذاكرة محاولات الراحل محمد الماغوط مع دريد لحام اجتراحها في الثمانينات.
الكباريه السياسي مصطلح غير جديد، وهو غير مسيء لأنه يحمل دلالات تعطيه حقه فعلا، وهو من أصعب فنون الكوميديا التي تقدم رأيا سياسيا حادا بإطار كوميدي ترفيهي قد يتجاوز كل الحدود.
وفعلا.. لا يزال في لبنان سقوف حرية عالية، تعكس فضاءات اللبنانيين أنفسهم..
لا أقصد برنامجا بعينه، فمتابعة «سكيتش» كوميدي على تلفزيون المستقبل لا تقل إبداعا عن «سكيتش» مقابل في فضائية «أل بي سي» أو الجديد، وبصراحة، لا يمكن لي ان أفهم تعقيدات السياسية اللبنانية دون متابعة هذه الصواريخ الكوميدية التي تتراشقها المحطات اللبنانية..لأكتشف فعلا أن كل لبناني هو سياسي بالولادة.
بالمناسبة، قبل أسبوع عدت من لاتفيا.. وهي دولة صغيرة على بحر البلطيق، واعدة بمنجزاتها الطبية على مستوى أوروبا، والتقيت هناك الطبيب اللبناني حسام أبو مرعي، وهو من أشهر السياسيين في ذلك البلد، ومن قيادات الحزب الحاكم.. والمدهش أن مجموع الجالية العربية كلها في لاتفيا لا يتجاوز المائة وخمسين عربيا، حسب ما قال لي السياسي اللاتفي من أصول لبنانية أبو مرعي، وحين سألته عن السر وراء طموحات سياسية لطبيب مهاجر.. أجاب بابتسامة الواثق وبلهجة محببة «.. ولو.. ما أنا لبناني»!! (القدس العربي)
اعلامي أردني يقيم في بروكسيل